صندوق النقد الدولي: جائحة كورونا تسبب أدنى معدلات للنمو منذ الستينات بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ
الكاتب
أفاد صندوق النقد الدولي في تقرير له بأن أزمة
فيروس كورونا هي أزمة منقطعة النظير، بل إنها أسوأ من الأزمة المالية العالمية، وتواجه
آسيا تهديداً كبيراً؛ حيث أنها ليست محصنة من تداعيات كورونا، ورغم أن آفاق النمو
محاطة بقدر هائل من عدم اليقين بالنسبة لعام 2020، بل هو أشد لعام 2021، فمن
الواضح أن لفيروس كورونا تأثيراً حاداً وغير مسبوق على كل بلدان المنطقة دون
استثناء.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يتوقف النمو
في آسيا عند معدل 0% في عام 2020، وهو أسوأ أداء للنمو خلال الستين عاماً الماضية،
بما في ذلك أثناء الأزمة المالية العالمية حيث سجل 4.7%، وسجل خلال الأزمة
المالية الآسيوية 1.3%، ومع ذلك، فإن آسيا لا تزال تتطلع إلى أداء أفضل من المناطق
الأخرى فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي.
صندوق النقد الدولي يتوقع تباطؤ مضاعف للاقتصاد العالمي
توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد العالمي في عام 2020 بنسبة 3%
في أسوأ ركود يشهده منذ سنوات "الكساد الكبير"، وهذا انكماش كبير، وتوقف
عالمي مفاجئ، ومن المتوقع أن يمر شركاء آسيا التجاريين الأساسيين بانكماش حاد، بما
في ذلك الولايات المتحدة التي تسجل انكماشا بنسبة 6% وأوروبا بنسبة 6.6%.
كما توقع الصندوق أن ينخفض النمو في الصين من 6.1% في 2019 إلى 1.2% في
2020، في مفارقة حادة مع أداء النمو الصيني أثناء الأزمة المالية العالمية، والذي
لم يطرأ عليه سوى تغير طفيف آنذاك فبلغ 9.4% في عام 2009 بفضل دفعة التحفيز المالي
المهمة التي بلغت حوالي 8% من إجمالي الناتج المحلي، ولا يمكن أن نتوقع تحفيزاً
بهذا الحجم هذه المرة، كما أن الصين لن تساعد النمو في آسيا كما فعلت في عام 2009.
وتشير التوقعات لعام 2021 إلى تحقيق نمو قوي، رغم ما يحيط بها من عدم يقين
كبير. فإذا نجحت إجراءات الاحتواء، ومع عملية التحفيز الكبيرة من خلال السياسات
للحد من الآثار الغائرة، يُتوقع للنمو في آسيا أن يتعافى بقوة أكثر مما حدث أثناء
الأزمة المالية العالمية، ولكن ليس هناك مجال للتراخي، فالمنطقة تمر بمراحل مختلفة
من الجائحة، وقد بدأ الاقتصاد الصيني يعود إلى العمل، بينما تفرض اقتصادات أخرى
إغلاقات عامة أشد، وبعضها يمر بموجة ثانية من عدى الفيروسن ويعتمد الكثير في هذا
الصدد على انتشار الفيروس وكيفية استجابة السياسات.
مواجهة جائحة كورونا تتطلب استجابة السياسات على نحو شامل ومنسق
أكد صندوق النقد الدولي أن الأولوية الأولى في هذا الصدد هي دعم وحماية
القطاع الصحي لاحتواء الفيروس وتطبيق إجراءات تعمل على إبطاء العدوى، وإذا لم يكن
هناك حيز كافٍ في ميزانيات البلدان المعنية، ينبغي أن تعيد ترتيب أولويات الإنفاق
الأخرى.
وتؤثر إجراءات
الاحتواء بصورة حادة على الاقتصادات، ويلزم تقديم دعم موجه لقطاعَي الأسر والشركات
الأكثر تضررا من الأزمة، فهي صدمة اقتصادية حقيقية – على عكس الأزمة المالية
العالمية – وتتطلب توفير حماية مباشرة للأفراد والوظائف والصناعات، وليس فقط من
خلال المؤسسات المالية.
وتؤثر الجائحة
أيضا على الأسواق المالية وكيفية عملها، وينبغي استخدام السياسة النقدية بحكمة
لتوفير قدر كبير من السيولة، وتخفيف الضغط المالي عن الصناعات والمؤسسات الصغيرة
والمتوسطة، وكذلك، إذا دعت الحاجة، تخفيف القواعد التنظيمية الاحترازية الكلية
بصفة مؤقتة.
وينبغي احتواء
الضغوط الخارجية؛ فحيثما دعت الحاجة، ينبغي السعي لإنشاء خطوط ثنائية ومتعددة
الأطراف لتبادل العملات وإتاحة الدعم المالي من المؤسسات متعددة الأطراف، وفي حالة
عدم وجود خطوط لتبادل العملات، يجوز الاستعانة بالتدخلات في سوق الصرف الأجنبي
وضوابط رأس المال، كبديل لها.
وسيساعد الدعم
الموجه، المقترن بتحفيز الطلب المحلي في سياق التعافي، على تخفيف الآثار الغائرة
للأزمة، ولكنه يجب أن يصل إلى الأفراد والشركات الأصغر.
وقد أطلقت
الاقتصادات الآسيوية عدة مبادرات في هذا الاتجاه بتقديم الدعم المباشر للقطاعات
الصحية واستحداث حِزَم للتحفيز المباشر من المالية العامة – وهي أكبر بكثير في بعض
الاقتصادات الآسيوية المتقدمة من الاستجابة التي تمت أثناء الأزمة المالية
العالمية، وقد وضع كثير من الاقتصادات إجراءات تهدف إلى مساعدة المشروعات الصغيرة
والمتوسطة.
وتحركت البنوك
المركزية في مختلف أنحاء المنطقة لتقديم قدر وفير من السيولة، وتخفيض أسعار
الفائدة، كما استخدم بعضها التيسير الكمي. فعلى سبيل المثال، توسع بنك اليابان في
عمليات إعادة الشراء بالتنسيق مع بنوك مركزية أخرى حول العالم سعيا لتيسير عمل
السوق، واتخذ إجراءات لتسهيل تمويل الشركات.
لكن الأمر قد
يتطلب اتخاذ إجراءات إضافية في اقتصادات الأسواق الصاعدة الآسيوية التي تمتلك حيزا
محدودا لزيادة الإنفاق من ميزانياتها العامة. وإذا زاد الوضع سوءا، قد تضطر
اقتصادات صاعدة كثيرة إلى اعتماد منهج "أيا كان المطلوب"، رغم قيود
الميزانية التي تعاني منها وعملاتها غير المدَوَّلة. وستواجه هذه البلدان في كثير
من الحالات مفاضلات بين السياسات يلزم الاختيار منها.
فعلى سبيل
المثال، تنظر البنوك المركزية في شراء سندات حكومية في السوق الأولية لدعم
المستلزمات المالية الحيوية التي تحتاجها الشركات الصغيرة والأسر، تجنباً لموجة من
عمليات تسريح العمالة والتخلف عن السداد، وكبديل لتداول الدين بشكل مباشر، يمكن
استخدام الميزانية العمومية للبنك المركزي بدرجة أكبر من المرونة والجرأة لدعم
إقراض البنوك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال اقتسام المخاطر مع الحكومة،
وبهذا، يمكن أن يكون للقيود المؤقتة على تدفقات رؤوس الأموال الخارجة دور في
المساعدة على ضمان الاستقرار في مواجهة التدفقات الرأسمالية الكبيرة، وجوانب عدم
الاتساق في الميزانيات العمومية، والمجال الضيق أمام استخدام أدوات أخرى من خلال
السياسات.