رئيس التحرير
محمد صلاح
الشمول المالي.. من الفقر إلى تحسين مستوى المعيشة

الشمول المالي.. من الفقر إلى تحسين مستوى المعيشة

هل الموضوع مفيد؟
شكرا



نما دور القطاع المالي تصاعديًا ولعب دورًا مهمًا في نمو اقتصاديات الدول، وحظى الشمول المالي في الأونه الأخيرة باهتمام متزايد من صناع القرار في أنحاء العالم كافة، وأصبحت قضية الشمول المالي من أهم القضايا التي تطرح على ساحة الاجتماعات الدولية حاليًا، إذ تطورت مختلف الخدمات والمنتجات المالية والمصرفية بسرعة مذهلة فاقت الخيال وانتشرت وازداد استخدامها، ومن هنا تبنت المؤسسات الرقابية على النشاط المالي سياسات وتنظيمات تراقب وتنظم وتحفز المتعاملين الماليين، وانتشرت حملات التوعية والتثقيف في هذا المجال  من أجل نشر الوعي لاستخدام هذه الخدمات، فتم طرح عديد من المنتجات والخدمات المالية المتطورة والمبتكرة من جانب القطاع المصرفي لمواكبة التطورات المالية، وفي محاولة منها لتطبيق وتفعيل الشمول المالي على أرض الواقع.

تكشف مجموعة متزايدة من البحوث أن هناك منافع إنمائية عديدة يمكن تحقيقها من الشمول المالي، لاسيما من استخدام الخدمات المالية الرقمية بما فيها الخدمات المالية عبر الهواتف المحمولة، وبطاقات الدفع، وغيرها من تطبيقات التكنولوجيا المالية، وتتمثل أهمية الشمول المالي أيضًا في أنها تساهم في رفع الدخل الشهري للأفراد، كما تساهم في دمج مشاريع القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، بما يسمح للحكومة بزيادة إيراداتها الضريبية، إضافة إلى زيادة المعلومات عن التعاملات المالية بما يسمح بتقليل عجز الموازنة.

يمكن تحقيق منافع واسعة النطاق من الشمول المالي، فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات أن الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول التي تسمح للمستخدمين بحفظ الأموال، وتحويلها عن طريق الهاتف المحمول يمكن أن تساعد في تحسين إمكانات كسب الدخل، وبالتالي تحد من الفقر، وتوصلت دراسة في كينيا إلى أن إتاحة الحصول على هذه الخدمات حققت منافع كبيرة لاسيما النساء، فقد مكن ذلك الأسر التي تعولها نساء من زيادة مدخراتها بأكثر من الخمس، وسمح لنحو 185 ألف امرأة بترك العمل بالزراعة، وإنشاء مشاريع أو أنشطة لتجارة التجزئة، وساعد في انخفاض نسبة الفقر المدقع بين هذه الأسر المعيشية بواقع 22%.

إضافة إلى ذلك يمكن أن تقلل الخدمات المالية الرقمية من تكلفة استلام المدفوعات، ففي برامج للإغاثة مدته 5 أشهر في النيجر، أدى إلى التحول إلى إرسال الدفعة الشهرية من الإعانات الاجتماعية الحكومية عبر الهاتف المحمول بدلًا من دفعها نقدًا إلى توفير 20 ساعة في المتوسط على المستفيدين، وهي إجمالي مدة الانتقال والانتظار لاستلام الدفعات.

يمكن أن تساعد الخدمات المالية الناس على تراكم المدخرات، وزيادة الإنفاق على الضرورات، فبعد تزويد البائعين بالأسواق في كينيا لا سيما النساء بحسابات ادخار، ارتفعت مدخراتهم وزاد استثمارهم في مشاريعهم بواقع 60%، وعلى التعليم بنسبة 20%، وذلك بعد حصولهم على حسابات ادخار مجانية.

بالنسبة للحكومات، فالتحول من المدفوعات النقدية إلى الرقمية يمكن أن يحد من الفساد، ويحسن مستوى الكفاءة، ويساعد على انخفاض الجرائم المتعلقة بالنقد. وفي الهند انخفضت نسبة تسرب الأموال المخصصة للمعاشات التقاعدية بواقع 47%، عندما تم سداد هذه المدفوعات عن طريق بطاقات ذكية بالبصمة الإلكترونية بدلًا من تسليمها نقدًا. وفي النيجر أدى توزيع التحويلات الاجتماعية عبر الهواتف المحمولة، وليس نقدًا إلى تقليص التكلفة المتغيرة لإدارة هذه الإعانات بنسبة 20%.

إن أهمية تعزيز مستويات الشمول المالي والوصول للخدمات المالية، سينعكس إيجابيًا على البيئة الاقتصادية والسياسية على حداً سواء، وستساهم في تحقيق مستويات مخاطر المؤسسات المالية والنظام المالي بشكل عام، ويمكن تناول آثار زيادة مستويات الشمول المالي وأهميته في المحاور التالية:

1-     تعزيز جهود التنمية الاقتصادية: توجد علاقة طردية بين مستويات الشمول المالي ومستويات النمو الاقتصادي، كما يرتبط عمق انتشار واستخدام الخدمات المالية بمستويات العدالة الاجتماعية في المجتمعات، إضافة للأثر الإيجابي على سوق العمل، كما يساهم توسيع انتشار استخدام الخدمات المالية والوصول إليها في انتقال مزيد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي.

2-     تعزيز استقرار النظام المالي: فزيادة استخدام السكان للخدمات المالية سيساهم بالتأكيد في تعزيز استقرار النظام المالي، إذ إن مزيدًا من استخدام النظام المالي الرسمي سينوع من محفظة الودائع لدى المصارف والمؤسسات المالية، كما يعزز هذا التنوع من استقرار النظام المالي، إذ أظهرت دراسة للبنك الدولي أن الدول ذات مستويات الشمول المالي الأكبر أقل عرضة لحدوث التقلبات السياسية.

3-     تعزيز قدرة الأفراد في الاندماج والمساهمة في بناء مجتمعاتهم: أظهرت الدراسات أن تحسين قدرة الأفراد على استخدام النظام المالي، ستعزز قدرتهم على بدء أعمالهم الخاصة، والاستثمار في التعليم، إضافة لتحسين قدرتهم على إدارة مخاطرهم المالية.

4-     سرعة الحصول وتنفيذ الخدمات المالية: توسع انتشار الخدمات المالية وزيادة معدلات استخدامها نظرًا للثورة التكنولوجية والتكنولوجيا الرقمية، يؤدى إلى زيادة الاعتماد على الخدمات المالية الإلكترونية، خاصة فيما يتعلق بالمدفوعات بسرعة أكبر وبتكلفة أقل.

على الجانب الآخر، ونظرًا للاهتمام العالمي بتوسيع نطاق الشمول المالي، وخلق التحالفات بين الهيئات والمؤسسات المالية العالمية للتنسيق والعمل ضمن آليات مشتركة وموحدة، تتنامى منافع وأهداف الشمول المالي، إذ ترى المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء أن بناء نظام مالي شامل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الفقراء ومحدودي الدخل، وذلك لتحقيق أهداف الشمول المالي كالآتي:

-       تعزيز وصول فئات المجتمع كافة إلى الخدمات والمنتجات المالية، لتعريف المواطنين بأهمية الخدمات المالية وكيفية الحصول عليها، والاستفادة منها لتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.

-       تسهيل الوصول إلى مصادر تمويل، بهدف تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

-       تعزيز مشاريع العمل الحر والنمو الاقتصادي.

-       تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من الاستثمار والتوسع.

-       خفض مستويات الفقر وتحقيق الرفاهية الاقتصادية.

-       التحول من القطاع غير الرسمي للقطاع الرسمي.

في النهاية، نجد أن تطبيق الشمول المالي أصبح أمرًا حتميًا لدول العالم، فتطبيق الشمول المالي يعني أن كل فئات المجتمع تكون لديهم فرص مناسبة لإدارة أموالهم ومدخراتهم بشكل سليم وآمن، لضمان عدم لجوء الأغلبية للوسائل غير الرسمية التي لا تخضع لأية رقابة وإشراف، واتضح أن الشمول المالي هو سبب رئيس للنمو الاقتصادي للدول، ويعمل على تحقيق الاستقرار المالي، ويضمن أيضًا الشمول المالي تطوير المؤسسات المالية لمنتجاتها، والمنافسة بينهم لتقديم منتجات مالية منخفضة التكلفة. وبعد أن تناولنا أهمية وأهداف الشمول المالي، كان لا بد من وضع سياسات لتعزيز الشمول المالي في الدول الإنمائية خاصة مصر، وهو ما سنتناوله في المقال المقبل.

هل الموضوع مفيد؟
شكرا
اعرف / قارن / اطلب