بأكثر من 30 إجراءً و700 مليار جنيه.. كيف عزز المركزي الاقتصاد المصري في مواجهة كورونا؟
رد الفعل السريع والاستباقي من قبل البنك المركزي المصري، كان أحد أهم عوامل نجاح الاقتصاد المصري في الصمود أمام تداعيات تفشي فيروس كورونا كوفيد 19 في العالم خلال العام 2020، وعكست القرارات والإجراءات التي اتخذها بنك البنوك في مصر القراءة السليمة والرؤية الثاقبة للقائمين على أعلى سلطة مصرفية في البلاد، لتنجح في تخفيف تداعيات الفيروس الفتاك على الاقتصاد وأصحاب الأعمال والقطاع الخاص، وحتى المواطنين البسطاء لم تتجاهلهم قرارات المركزي بل كانوا في مقدمة المستفيدين من كل إجراء.
أكثر من ثلاثين إجراء اتخذها البنك المركزي المصري على مدار العام 2020 جعلت الاقتصاد المصري أكثر قوة في مواجهة تداعيات كوفيد 19، وجعلت أيضًا الاقتصاد يقبل على عام آخر من الفيروس وهو على أرض صلبة، خاصة أن إجراءات ومبادرات البنك المركزي التي تجاوزت قيمها 700 مليار جنيه، لم تقتصر على قطاع معين بل استهدفت دعم غالبية قطاعات الاقتصاد المصري، سواء الصناعة أو الزراعة أو السياحة أو العقارات أو المقاولات والمشروعات الصغيرة حتى والمتوسطة متناهية الصغر والتجارة والقطاع الخاص والأفراد الذين تأثروا بكورونا والذين لم يتأثروا، كما شملت أيضًا قطاعات أخرى مثل الصحة ورواد الأعمال وغيرها.
إجراءات المركزي وقراراته حظيت بإشادات واسعة من المؤسسات الدولية، وساعدت في الحفاظ على التصنيفات الائتمانية للاقتصاد المصري مرتفعة، وبشهادة المؤسسات كافة ومنها صندوق النقد والبنك الدوليين ومؤسسات التقييم ذاتها ومنها فيتش وموديز وستاندرد آند بورز، في الوقت الذي خفضت فيه تصنيفات أكثر من 40 دولة في العالم بينها دولًا كبرى.
ولم تقتصر إجراءات البنك المركزي ومبادراته على الجوانب الاقتصادية، فحسب، بل ركزت بشكل أكبر على إرساء وترسيخ جهود الدولة نحو التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية واستخدام التكنولوجيا في المعاملات النقدية وتقليل الاعتماد "الكاش"، والاستعداد لاستقبال البنوك الرقمية، وفقًا لما تضمنه قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الجديد، والذي أقره البرلمان وصدق عليه السيد رئيس الجمهورية في 2020، والذي يعد أيضًا أحد أهم إنجازات العام.
واتخذ البنك المركزي اعتبارًا من منتصف مارس 2020 العديد من الإجراءات الاحترازية والتدابير الاستباقية لمواجهة التداعيات، التي كانت في ذلك الوقت محتملة لفيروس كورونا المستجد، بهدف دعم ومساندة قطاعات النشاط الاقتصادي وتقديم الدعم لأكبر عدد من العملاء سواء أفراد أو شركات.
وكان أول القرارات القوية من قبل البنك المركزي لدعم الأنشطة الاقتصادية وتخفيف الأعباء التمويلية عليها خاصة القطاع الخاص وأيضًا الموازنة العامة للدولة، خفض الفائدة بنسبة 3 في المئة دفعة واحدة ولأول مرة في التاريخ، أعقبها خفضين آخرين بنسبة 1 في المئة، كما قرر المركزي توسيع قاعدة المستفيدين من مبادرة القطاع الخاص الصناعي، إضافة الشركات العاملة في المجال الزراعي والإنتاج والتصنيع بما يشمل محطات تصدير وتعبئة السلع الزراعية والثلاجات وغيرها والثروة السمكية والداجنة والحيوانية وكذا قطاع المقاولات، والسماح للشركات التي تقع في نطاق هذه المبادرة التي يزيد حجم أعمالها أو إيراداتها السنوية عن مليار جنيه للاستفادة من المبادرة.
كما أدرج الشركات المتوسطة حديثة التأسيس للمبادرة استنادًا لرأسمالها المدفوع لحين توافر القوائم المالية لها، وأيضًا الشركات والمنشآت الصغيرة التابعة لكيانات ومؤسسات كبرى، وبذلك يستفيد من تلك المبادرة الشركات التي يبلغ حجم أعمالها / إيراداتها سنويًا 50 مليون جنيه فأكثر، وأن تشمل هذه المبادرة منح تسهيلات ائتمانية لسداد رواتب وأجور العاملين، إضافة إلى سداد مصروفات الكهرباء والغاز والسولار.
وعدل البنك المركزي المصري سعر العائد على مبادرات الصناعة والزراعة والمقاولات ليصبح 8% (متناقص) بدلًا من 10%، بهدف دعم الأنشطة الاقتصادية، كما عدل القواعد المنظمة لتسجيل الائتمان فيما يتعلق بفئات العملاء غير المنتظمين في السداد وأسس التعامل مع هؤلاء العملاء حتى يمكنهم إعادة مزاولة أنشطتهم مرة أخرى، والاستفادة من المبادرات المشار إليها حال قيامهم بالسداد وفقًا للشروط المقررة.
وفي إطار الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي لدعم الشركات، وسع نطاق نشاط شركة ضمان مخاطر الائتمان ليشمل ضمان الشركات الكبرى، إضافة إلى ضمان الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إذ أصدر البنك المركزي المصري تعهدات لشركة ضمان مخاطر الائتمان كمظلة لضمان أرصدة الضمانات الصادرة منها لصالح البنوك لتغطية نسبة من المخاطر المصاحبة لتمويل التسهيلات المدرجة في مبادرات قطاعات الصناعة والزراعة والمقاولات والسياحة.
وبتاريخ 23 مارس 2020، تم إضافة بند لمبادرة السياحة يسمح بإمكانية منح تسهيلات ائتمانية تسدد على مدة حدها الأقصى عامين، إضافة إلى فترة سماح لا تزيد عن 6 أشهر تبدأ من تاريخ المنح يتم خلالها رسملة العوائد، وذلك لسداد الرواتب والأجور والالتزامات القائمة لدى الموردين وأعمال الصيانة وذلك لبعض الأنشطة بقطاع السياحة. وبتاريخ 29 نوفمبر 2020، تم تعديل فترة السماح لتنتهي في 31 ديسمبر 2021 يتم خلالها رسملة العوائد، على أن يستحق سداد أول قسط في يناير 2022 (بغض النظر عن تاريخ المنح)، وذلك في إطار مبادرة إحلال وتجديد الفنادق بسعر عائد 8% متناقص.
تم تأجيل الاستحقاقات الائتمانية للعملاء من الأفراد والمؤسسات (الشركات الكبرى والشركات المتوسطة والصغيرة) لمدة ستة أشهر اعتبارًا من 16 مارس 2020، وعدم تطبيق عوائد وغرامات، إضافية على التأجيل في السداد، وتم رسملة العائد المحتسب خلال فترة التأجيل، على أن يتم السداد بما يتناسب مع قدرة العملاء على السداد، وكان هدف البنك المركزي من ذلك أن يمكن العملاء من الاستمرار في مزاولة أعمالهم.
واتخذ البنك المركزي العديد من القرارات والإجراءات لدعم الشمول المالي وتيسير الحصول على الخدمات المصرفية، إذ وجه بنوك القطاع المصرفي بتنفيذها، منها إتاحة البنوك بشكل فوري الحدود الائتمانية اللازمة لمقابلة تمويل العمليات الاستيرادية للسلع الأساسية والإستراتيجية، بما يضمن تلبية طلبات الشركات المستوردة لها وعلى وجه الخصوص السلع الغذائية لتغطية احتياجات الأسواق.
وسمح المركزي للبنوك باستثناء العمليات الاستيرادية لأغراض التجارة من الغطاء النقدي بواقع 100% مع مراعاة الدراسة الائتمانية التي يجريها كل بنك، كما تم إتاحة الحدود الائتمانية اللازمة لتمويل رأس المال العامل وبالأخص صرف رواتب العاملين بالشركات، ومتابعة القطاعات الأكثر تأثرًا بانتشار الفيروس ووضع خطط لدعم الشركات العاملة بها، كما تم وضع خطط عاجلة لزيادة الحدود الائتمانية مع البنوك الخارجية، بما يضمن استمرار توفير التمويل اللازم لعمليات التجارة الخارجية.
وتخفيفًا على البنوك في إطار جهودها لدعم الاقتصاد في مواجهة كورونا، سمح البنك المركزي للبنوك بإصدار قوائم مالية ربع سنوية مختصرة وفقًا لمعيار المحاسبة المصري، على أن يتم الالتزام بإصدار قوائم مالية كاملة عند إعداد القوائم المالية السنوية، وذلك تيسيرًا على البنوك ومراجعي الحسابات القائمين بمراجعة الحسابات في ظل جائحة كورونا.
وفي إطار تحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية عند إجراء العمليات المصرفية للحد من انتشار الفيروس، اتخذ المركزي العديد من القرارات والإجراءات منها ما هو فيما يخص خدمات الدفع باستخدام الهاتف المحمول والبطاقات المصرفية، إذ تم تعديل الحدود القصوى لكل من حسابات الهاتف المحمول ووحدات النقود الإلكترونية المصدرة لكل بنك، ويتم استمرار إلغاء العمولات والرسوم الخاصة بعمليات التحويل من حسابات الهاتف المحمول، وإصدار البطاقات المدفوعة مقدمًا مجانًا لمدة ستة أشهر، والتي تم مدها حتى 31 ديسمبر 2020، وكذا تبسيط إجراءات فتح الحسابات للعملاء مع الالتزام بإجراءات العناية الواجبة الصادرة من وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأعفى البنك المركزي التحويلات المحلية بالجنيه المصري من العمولات والمصروفات المرتبطة بها للحد من التعاملات النقدية لما تحمله من خطورة على الصحة في الوقت الراهن وذلك لمدة ثلاث أشهر، وتم مد هذا الإعفاء ليستمر حتى 31 ديسمبر 2020، كما ألزم البنوك بإصدار المحافظ الإلكترونية والبطاقات المدفوعة مقدمًا للمواطنين مجانًا لمدة ستة أشهر، على أن تكون تلك البطاقات لا تلامسية حال بدء البنك في إصدار هذا النوع من البطاقات، وإلغاء الرسوم والعمولات المطبقة على رسوم نقاط البيع والسحب من الصرافات الآلية والمحافظ الالكترونية لمدة ستة أشهر، وتم مد القرار حتى 31 ديسمبر 2020.
وأطلق البنك المركزي مبادرة للسداد الإلكتروني لزيادة نشر وتنشيط قنوات القبول الإلكتروني عن طريق نشر وتنشيط نقاط البيع الإلكترونية (POS)، ويستفيد من هذه المبادرة الشركات والتجار الذين ليس لديهم حاليًا نقاط بيع إلكترونية أو رمز الاستجابة السريع في محافظات الجمهورية. وقرر المركزي تحمل تكاليف نشر 100 ألف نقطة بيع إلكترونية قبل أن يرفعها إلى 300 ألف نقطة لتحفيز البنوك على نـشر نقاط البيع الإلكترونية بصورة أكبر في المحافظات، أما فيما يخص رمز الاستجابة السريع، فيستهدف البنك المركزي المصري نشر عدد 200.000 رمز استجابة سريع لدى التجار والشركات.
ولتمكين البنوك من القيام بمهامها على أفضل وجه وبالنسبة لدورية عقد اجتماعات مجالس الإدارة، وعدد مرات المشاركة عبر الهاتف أو الفيديو، فتقرر عدم التقيد بالحد الأقصى لعدد مرات مشاركة عضو مجلس الإدارة عبر الهاتف أو الفيديو، وكذا عدم اشتراط حضور أغلبية أعضاء مجلس الإدارة حضورًا فعليًا وذلك حتى نهاية العام الحالي، وتم مد هذه المهلة حتى نهاية شهر ديسمبر 2021.
وبهدف تجنب التزاحم والتجمعات والتزامًا بتعليمات وزارة الصحة والوقاية، وضع البنك المركزي حدًا أقصى يوميًا لعمليات السحب والإيداع النقدي بفروع البنوك، مع مراعاة طبيعة عمل الشركات في الاستثناء من تلك الحدود.
وفي إطار التدابير الاستباقية التي اتخذها البنك المركزي لمواجهة التداعيات المحتملة لجائحة كورونا استمرارًا لجهود البنك في دعم الاقتصاد القومي وتنمية وتنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واصل البنك المركزي المصري تفعيل مبادراته الهادفة لخلق فرص عمل للحد من معدل البطالة مع التركيز على القطاعات والأنشطة الخدمية والإنتاجية، ومنها مبادرات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بفائدة 5% والتي تجاوزت حتى الآن 200 مليار جنيه، ومبادرة التمويل العقاري لمتوسطي الدخل بقيمة 50 مليار جنيه، ومبادرة الصناعة بقيمة 100 مليار جنيه، والتي تم إضافة قطاعي الزراعة والمقاولات لها ومضاعفتها إلى 200 مليار جنيه، إضافة إلى استمرار مبادرات متنوعة ومتعددة لقطاع السياحية بدأت منذ عام 2016.
وخلال شهري ديسمبر 2019 ويناير 2020، أصدر البنك المركزي ثلاث مبادرات بإجمالي 200 مليار جنيه تهدف إلى توفير تمويل للقطاع الخاص بعائد منخفض شملت معظم القطاعات الاقتصادية الرئيسية الصناعة، التمويل العقاري، السياحة بسعر عائد سنوي 10% (متناقص) قبل أن يخفضها لـ 8% متناقصة.
واستهدفت مبادرة التمويل العقاري فئة العملاء من متوسطي الدخل وأن يتم توفير التمويل العقاري اللازم للعملاء الذين تنطبق عليهم شروط المبادرة عبر البنوك أو شركات التمويل العقاري (لمدة حدها الأقصى 20 سنة)، بهدف توفير سكن مناسب لهذه الفئة من المواطنين، وتنشيط القطاع العقاري في نفس الوقت.
وشملت مبادرة قطاع السياحة الأطراف العاملة بالقطاع سواء الشركات أو العاملين بالقطاع السياحي، إذ تضمنت إحلال وتجديد فنادق الإقامة والفنادق العائمة وأساطيل النقل، كما تم ترحيل استحقاقات عملاء القروض التجزئة والعقارية للعاملين بقطاع السياحة لمدة 6 أشهر إضافية من تاريخ استحقاقها، وتم مد أجل المبادرة لتنتهي بنهاية شهر ديسمبر 2021.
وشهد عام 2020 إطلاق البنك المركزي واحدة من أهم المبادرات التي ساعدت المواطنين والشركات للعودة للتعامل مع الجهاز المصرفي، وهي مبادرة رفع أسماء العملاء والشركات من القوائم السلبية والسوداء من شركة الاستعلام الائتماني "آي سكور".