بلومبرج: تركيا تواجه مأزقًا في معدلات الفائدة مع وصول التضخم لأعلى مستوى له في 20 عامًا
• ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 48.7% على أساس سنوي مدفوعاً بزيادة أسعار الطاقة
• أوقفت تركيا دورة تيسير السياسة النقدية بشكل مؤقت الشهر الماضي مع ارتفاع الأسعار
قالت وكالة بلومبرج، إن زيادة معدلات التضخم في تركيا، تسارعت لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ تولي الرئيس رجب طيب أردوغان السلطة قبل عقدين، مما يقف عائقاً أمام استمرار الضغط على البنك المركزي من أجل خفض تكاليف الاقتراض، وهي الخطوة التي أضرّت بعملة الليرة، وأثرت بشكل كبير على الطبقة العاملة قبل انتخابات العام المقبل.
وارتفع مستوى التضخم لمؤشر أسعار المستهلك إلى 48.7% على أساس سنوي خلال الشهر الماضي، ليسجل بذلك أعلى مستوى له منذ أبريل 2002، مما وضع البنك المركزي التركي في مأزق لأن رفع معدل الفائدة سيغضب أردوغان، ولكن خفضها سيدفع فقط بزيادات جامحة بالأسعار.
وتحت ضغط من الرئيس الذي يحرص على تعزيز معدلات النمو قبل انتخابات 2023، كان البنك المركزي التركي قد خفّض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 500 نقطة أساس، لتصل إلى 14%، أو سالب 35% عند تعديلها وفقًا للتضخم السنوي، لتسجل بذلك أدنى عائد حقيقي بين الأسواق الناشئة، مما أدى إلى تدهور الليرة، وارتفاع متزايد بأسعار المستهلكين.
كما أدت الضغوط العالمية، بما في ذلك ارتفاع أسعار الغاز والسلع الأساسية الأخرى، إلى تفاقم زيادة الأسعار في يناير، ملقية بظلالها على توقعات التضخم في المدى المتوسط.
ويقول زياد داوود، كبير الاقتصاديين بقطاع الأسواق الناشئة:"تدور تركيا في حلقة مفرغة، إذ يؤدي ضعف العملة إلى رفع التضخم، مما يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للأموال المدخرة بالليرة التركية، الأمر الذي يدفع السكان المحليين إلى الاتجاه إلى الدولار، وهو ما يؤدي بدوره إلى إضعاف العملة بشكل كبير، يمكن لرفع سعر الفائدة أن يكسر هذه الحلقة، لكن الرئيس رجب طيب أردوغان يعارض بشدة هذه الخطوة".
وأبقى البنك المركزي التركي على أسعار الفائدة دون تغيير في يناير 2022 على خلفية ارتفاع الأسعار، ولكن أردوغان، الذي يتبنى وجهة النظر غير التقليدية القائلة بأن أسعار الفائدة المرتفعة تغذي التضخم، أشار الأسبوع الماضي إلى أنه لا ينوي التخلي عن مسار سياسته العامة.
ويعد هذا الأمر محبطًا للمستثمرين الذين اضطروا لبيع أصولهم بالليرة التركية، واشتكوا من أن السياسة النقدية التركية أصبحت لا يمكن التنبؤ بها أو وضع توقعات لها، مدفوعة بشكل كبير بأهواء أردوغان السياسية أكثر من العوامل والأسس الاقتصادية.
وفي هذا الصدد، قال كريستيان ماجيو، رئيس إستراتيجية المحافظ الاستثمارية فيشركة TD Securities : "أعتقد أن البنك المركزي التركي سيضطر إلى رفع سعر الفائدة، سواء أحب ذلك أم لا"، مضيفًا أنه "مع ذلك، لا يمكنني استبعاد محاولة خفض جديد لسعر الفائدة قبل أن يجبروا على الرجوع إلى رفع سعر الفائدة مرة أخرى، ومن المؤكد أن وصول مؤشر أسعار المستهلك الى ما يقرب من 50% هو دليل على فشل البنك المركزي بشكل كامل".
وتتداول الليرة، التي تراجعت أكثر من 44% خلال العام الماضي، على انخفاض بنسبة 0.9% عند 13.5855 للدولار وذلك في 3 فبراير الساعة 1:11مساءً في اسطنبول.
تشكل زيادات الأسعار الحادة -- المتمثلة في ارتفاع التضخم بنسبة 11.1٪% خلال الشهر الماضي وحده، وتجاوز تضخم أسعار المنتجين 93% على أساس سنوي-- تحديًا سياسيًا لأردوغان، الذي يواجه انتخابات الرئاسة التي ستُجري في عام 2023.
وتولى أردوغان منصب عمدة إسطنبول السابق، في وقت ساد فيه حالة إحباط عميقة شهدها الرأي العام بسبب تدهور مستويات المعيشة واستمرار الضائقة الاقتصادية. وشهدت تركيا خلال تولي حزب أردوغان الحكم منذ أكثر من عقد نموًا اقتصاديًا، والذي كان مدفوعًا في الغالب بالتوسع الائتماني قبل الانتخابات الرئاسية، ولكن واجه الاقتصاد تحديات في الأعوام الأخيرة، إذ تضرر من الركود الاقتصادي، ثم تبعته بشكل سريع جائحة فيروس كورونا.
وانخفضت شعبية أردوغان بين الناخبين في أواخر 2021 قبل أن يتحرك لزيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%. وأظهرت بيانات التضخم لشهر يناير أن معدل التضخم الاستهلاكي استنفذ غالبية الزيادة في الأجور.
ويتسم شهر يناير عادةً بارتفاع التضخم في تركيا، إذ يضيف الطقس البارد ضغوطًا على أسعار المواد الغذائية، وتقوم الحكومة بتعديل بعض الضرائب وفقًا لمعدلات التضخم المسجلة في العام السابق ولكن هذه المرة، أدى ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة تكلفة المرافق المنزلية إلى خسائر فادحة.
وارتفع معدل التضخم في أسعار الطاقة إلى 76.4% صعودًا من 42.9% في ديسمبر، وكشفت الحكومة التركية النقاب عن زيادات غير مسبوقة في أسعار الكهرباء المنزلية في يناير تصل إلى 130%، وبلغ تضخم أسعار التجزئة بقياس سنوي في اسطنبول، (أكبر مدينة وعاصمة تجارية في تركيا)، 50.91% في يناير، صعوداً من 34.18% في الشهر السابق.
وكان سعر خام برنت (وهو المؤشر القياسي لتكلفة الطاقة على الشركات التركية) يتداول قرب أعلى مستوى له في سبع سنوات خلال شهر يناير، مما دفع المحللين إلى رفع تقديرات أسعار المنتجين إلى ما يقرب من الضعف على أساس سنوي.
وقال محافظ البنك المركزي شهاب قافجي أوغلو، إن دعم العملة المحلية سيكون هدفًا رئيسيًا هذا العام، لكنه لم يشير بشكل واضح على أن هذا سيشمل تشديد السياسة النقدية.
ويأمل البنك المركزي التركي في أن يتم كبح نمو الأسعار من خلال اتخاذ تدابير لتشجيع الابتعاد عن الدولرة، على الرغم من أن كل موجة من موجات ضعف الليرة دفعت الأتراك إلى شراء العملة الأمريكية باعتبارها أحد أصول الملاذ الآمن ومخزن للقيمة.
وسيستمر ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الدفع بزيادة الضغوط التضخمية، وفقًا لما ذكرته المحللة الاقتصادية جولديم أتاباي في Istanbul Analytics. وقالت "إن انتقال تضخم أسعار المنتجين إلى المستهلكين سيدفع بالتضخم السنوي للمستهلك إلى مستويات تصل إلى 55-60% بشكل سريع في نهاية الربع الأول من العام"، وذلك قبل صدور بيانات التضخم.
وسيصدر البنك المركزي التركي بيانات الحساب الجاري لكل من شهر ديسمبر وعام 2021 بالكامل في 11 فبراير الجاري. وسوف يرأس قافجي أوغلو الاجتماع التالي لتحديد سعر الفائدة في 17 فبراير.