النقد العربي يتوقع انخفاض العجز بالموازنة العامة للدول العربية لـ2.4% في 2022
في إطار الجهود التي يبذلها صندوق النقد العربي لدعم متخذي القرار في الدول العربية، أطلق الصندوق الإصدار السادس عشر من تقرير "آفاق الاقتصاد العربي"، الذي يتضمن توقعات الأداء الاقتصادي الكلي للدول العربية على عدد من الأصعدة خلال عامي 2022 و2023.
أوضح التقرير أنه بينما كان العالم يجاهد في بداية عام 2022 للتغلب على التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار فيروس كوفيد-19 ومتحوراته للعام الثالث على التوالي، شهد الاقتصاد العالمي تطوراتٍ عالميةٍ غير مواتية نتج عنها ارتفاع أسعار العديد من السلع الزراعية والصناعية ومواد الطاقة، وتحديات أكبر لسلاسل الإمداد الدولية التي لم تكن قد تعافت بعد من التأثيرات الناجمة عن جائحة كوفيد-19.
كما أدت تلك التطورات إلى تزايد مستويات المخاطر، وعدم اليقين في ظل التداعيات التي خلفتها والتي اتسع نطاق تأثيرها ليشمل كافة الدول والأسواق والأسر، ونتج عنها تراجع مستويات القوة الشرائية خاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وأثارت مخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي.
وفيما كانت تقديرات المؤسسات الدولية تشير قبل تلك التطورات إلى نمو الاقتصاد العالمي بما يتراوح بين 4 و4.5 في المائة في عام 2022 بفعل استمرار التعافي المتوقع لاسيما في عدد من الاقتصادات المتقدمة والنامية، وانخفاض وتيرة النمو في عام 2023 إلى ما يتراوح بين 3.2 و3.8 في المائة نتيجة الاستمرار في السحب التدريجي لحزم التعافي، جاءت التطورات العالمية الأخيرة لتفرض تأثيراتها وتنعكس على معدلات النمو خلال أفق التوقع.
أما فيما يتعلق بالدول العربية الأخرى المصدرة للنفط، فمن المتوقع أن تستفيد من الزيادات المقررة في كميات الإنتاج في إطار "اتفاق أوبك+"، ومن الارتفاع في الأسعار العالمية للنفط والغاز، ليرتفع بذلك معدل نمو المجموعة إلى نحو 4.6 في المائة في عام 2022، مقابل 3.3 في المائة في عام 2021، فيما يتوقع تراجع معدل نمو دول المجموعة إلى 3.9 في المائة في عام 2023 بفعل الظروف الداخلية في بعض بلدان المجموعة المؤثرة على النمو الاقتصادي، والتحديات التي تواجهها على صعيد زيادة مستويات جاذبية بيئات الأعمال.
على صعيد الأوضاع المالية، يُتوقع أن ينخفض العجز في الموازنة العامة المُجمعة للدول العربية في عام 2022 ليبلغ 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 4.6 في المائة في عام 2021 جراء الزيادة المتوقعة للإيرادات النفطية، خاصةً في ظل توقع تحسن الأوضاع المالية وتحقيق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فائضاً في موازنتها المُجمعة في عام 2022 لأول مرة منذ موجة انخفاض أسعار النفط في 2014. غير أنه من المتوقع بقاء عجوزات الموازنات العامة في مجموعة الدول العربية الأخرى المُصدرة للنفط، والدول العربية المستوردة له عند مستويات مرتفعة نسبياً في عام 2022.
على مستوى الدول العربية المستوردة للنفط، من المتوقع تسجيلها لوتيرة نمو معتدلة في عام 2022 بحدود 3.7 في المائة مقابل نحو 2.5 في المائة في عام 2021، بسبب الضغوطات التي تواجه دول المجموعة على صعيد توازناتها الداخلية والخارجية التي تؤثر على مستويات الاستهلاك والاستثمار، فيما يتوقع تحسن ملموس لمعدل النمو الاقتصادي لدول المجموعة ليسجل حوالي 5 في المائة في عام 2023، بما يُعزى إلى توقع تحسن مستويات الطلب الكلي في هذه البلدان، وانحسار تدريجي للضغوطات التي تواجه أوضاع الموازنات العامة وموازين المدفوعات نتيجة الانخفاض النسبي المتوقع لأسعار السلع الأساسية العام المقبل.
من جهة أخرى، أشار تقرير آفاق الاقتصاد العربي إلى أنه من المتوقع ارتفاع معدل التضخم في الدول العربية كمجموعة ليسجل نحو 7.5 في المائة في عام 2022، مقارنة مع 5.7 في المائة في عام 2021، فيما يتوقع تراجع نسبي لمعدل التضخم في عام 2023 ليصل إلى حوالي 7.0 في المائة. يعكس هذا الارتفاع المتوقع لمعدلات التضخم تأثير التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد الدولية، والارتفاعات المسجلة في أسعار السلع الزراعية والصناعية ومواد الطاقة، نتيجة للتطورات العالمية الراهنة، علاوة على تأثير الزيادة في مستويات الطلب الكلي، ورفع معدلات ضرائب الاستهلاك في بعض الدول العربية، وأثر التمرير الناتج عن انخفاض قيمة بعض العملات العربية مقابل العملات الرئيسة، وتأثير عوامل تضخمية أخرى تتباين من دولة عربية لأخرى.
بناءً على ما سبق، من المتوقع أن تغلب الاتجاهات التقييدية على توجهات السياسة النقدية في الدول العربية خلال أفق التوقع بما يعكس توجهات المصارف المركزية الدولية في ظل تبني عدد من الدول العربية لأنظمة سعر الصرف الثابت لاسيما مقابل الدولار الأمريكي، وتوجه مماثل من بعض الدول العربية التي تتبنى نظماً مرنة للصرف لرفع الفائدة في ظل الارتفاع الأخير المسجل في معدلات التضخم، والضغوطات التي تواجه أسواق الصرف الأجنبي نتيجة للتطورات العالمية الأخيرة. في المقابل، ستواصل المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية جهودها على صعيد تطبيق أدوات السياسة النقدية غير التقليدية لدعم التعافي وحفز النشاط الاقتصادي، والتركيز على تبني عدد من الإصلاحات التي تستهدف تحقيق الاستقرار السعري والمالي، ودعم التحول الرقمي، بما يشمل جهود إصدار عملات رقمية، وترخيص البنوك الرقمية والخدمات المصرفية المفتوحة، لزيادة الشمول المالي.
على صعيد القطاع الخارجي، سيتأثر أداء ميزان المعاملات الجارية للدول العربية كمجموعة خلال عام 2022 باستمرار تداعيات جائحة كوفيد-19، إضافة إلى آثار التطورات العالمية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز والسلع الأساسية وبصفة خاصة أسعار المواد الغذائية، والضغوط الناشئة عن تواصل التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد الدولية. كما سيتأثر أداء ميزان المعاملات الجارية بالارتفاع في مستويات الفائدة العالمية والذي بدأت أول مراحله في الظهور في شهر مارس من العام الجاري.
إضافة إلى آثار اتخاذ بعض الدول العربية لعدد من الإجراءات الاحترازية للحد من مستويات الطلب على العملة الأجنبية في ضوء التحديات التي تواجه أسواق الصرف الأجنبي. في ضوء التطورات سالفة الإشارة، من المتوقع ارتفاع فائض ميزان المعاملات الجارية للدول العربية كمجموعة في عام 2022 ليصل إلى حوالي 186.6 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 44.1 بالمائة، ما يعادل حوالي 6.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية. فيما يتعلق بالتوقعات خلال عام 2023، تشير التقديرات إلى انخفاض فائض ميزان المعاملات الجارية إلى حوالي 149.6 مليار دولار أمريكي، ما يُعادل حوالي 4.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية كمجموعة.