مجموعة QNB تتوقع تراجع التجارة العالمية خلال الأشهر المقبلة
كشفت تحليلات لمجموعة QNB عن التجارة العالمية يشار لها بأنها مؤشر رئيسي للأنشطة الاقتصادية عبر مختلف الدول. في الواقع، تُعتبر بيانات التجارة من المؤشرات القليلة التي تُعبر بشكل جيد عن مدى سلامة الأوضاع العامة للاقتصاد العالمي.
وترصد هذه البيانات، المدعومة بمعاملات حقيقية عبر الحدود، الطلب على المنتجات الرئيسية وعوامل الإنتاج، بما في ذلك السلع الاستهلاكية المادية، والسلع الرأسمالية، والمدخلات والسلع الأساسية. ونتيجة لذلك، فإن بيانات التجارة العالمية تكون عادةً شديدة التأثر بأوضاع الاقتصاد الكلي، وتتغير مع دورات التوسع والانكماش الاقتصادي.
في الآونة الأخيرة، بعد التراجع الحاد في النشاط الذي استمر لمدة قصيرة في بدايةالجائحة، تعافت التجارة العالمية بقوة. وفقاً لمكتب التخطيط المركزي الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية (CPB NEPA)، ارتفعت أحجام التجارة العالمية بنسبة تزيد عن 30% منذ التراجع الكبير الناتج عن الجائحة في مطلع عام 2020، متجاوزةًالمستويات التي كانت سائدة قبل الجائحة، ووصلت بشكل مريح إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. واللافت أن هذا الارتفاع ظل يحدث على الرغم من استمرار الاختناقات والقيود في سلسلة التوريد.
ومع ذلك، فإن البيانات المرتبطة بحجم التجارة العالمية تقدم لنا صورة للماضي القريب، وليس الحاضر أو المستقبل. على سبيل المثال، يتم إصدار بيانات مكتب التخطيط المركزي الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية بتأخر مدته ثلاثة أشهر، مما يعني أن النسخة الأخيرة منها تعكس أحجام التجارة خلال أغسطس 2022. ومن الأفضل النظر في مصادر البيانات البديلة التي توفر رؤى مستقبلية، بدلاً من النظر في البيانات السابقة.
من وجهة نظرنا، تشير المؤشرات الرئيسية إلى أن التجارة العالمية لن تستمر في النمو، بل ستشهد تباطؤاً قد يصل إلى الانكماش في الأشهر المقبلة. وهناك ثلاث نقاط رئيسية تدعم هذا التحليل.
أولاً، تشير البيانات عالية التردد في الاقتصادات الرئيسية (الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان) إلى "ركود التجارة العالمية".
فقد سجلت الاستطلاعات الفوريةلمؤشر مديري المشتريات في الاقتصادات المتقدمة شهوراً متتالية من التباطؤ في طلبات التصدير الجديدة، التي تراجعت أكثر نحو منطقة الانكماش في أكتوبر. ويؤثر ارتفاع التضخم بشكل سلبي على الدخل المتاح للإنفاق في الاقتصادات الرئيسية،مما يقلل الطلب الكلي. وهذا متوافق مع التباطؤ المستمر في نمو التجارة فيالاقتصادات المُصدرة الآسيوية ذات التقارير المبكرة (اليابان، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة، وتايوان). وتقود هذه البلدان عادةً اتجاهات التجارة العالمية، فهي تلعب دوراً رئيسياً في سلاسل توريد الأنشطة الصناعية عبر مختلف القارات.
ثانياً، يتوقع المستثمرون الذين يستشرفون أوضاع السوق حدوث انكماش كبير أيضاً. في الواقع،
تشير توقعات المستثمرين بشأن الأرباح المستقبلية لقطاع النقل، وهو مؤشر رئيسي للنمو المستقبلي في التجارة العالمية، إلى انكماش حاد في الطلب على السلع المادية. وبلغ مؤشر داو جونز للنقل، وهو مؤشر للأسهم يتألف من شركات الطيران والنقل بالشاحنات والنقل البحري والسكك الحديدية وشركات التوصيل،والذي يسبق أداؤه الصادرات العالمية بما لا يقل عن 3 أشهر، ذروته في مارس 2021،حيث انخفض بسرعة منذ ذلك الحين إلى معدلات تعكس الانكماش العميق.
ثالثاً، من المرجح أيضاً أن تؤدي تحركات العملات الأجنبية دورها في إحباط التجارة العالمية.
يعتبر ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، المتوقع بفعل قوة جولات رفع أسعار الفائدة وتفوق أداء الاقتصاد الأمريكي، عائقاً رئيسياً لنمو التجارة العالمية. يتم إجراء حوالي 40% من التدفقات التجارية العالمية بالدولار الأمريكي، كما أن قوة الدولار الأمريكي تجعل الواردات غير الأمريكية أكثر تكلفة. ويؤدي هذا الأمر إلى مزيد من الضغط على الدخل المتاح للإنفاق أو حتى يدعم استبدال الواردات بالمنتجات المحلية، مما يؤثر سلباً على أحجام التجارة.
بشكل عام، من المتوقع أن تنخفض أحجام التجارة العالمية بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة. وتعكس التجارة البيئة الاقتصادية الكلية وهي مجرد مؤشر آخر على البيئة الصعبة التي ظلت سائدة في الأشهر الأخيرة.