النقود من الملح.. وحتى البتكوين
الكاتب
تعرف النقود بأنها
أية وسيلة تلقى قبولا عام وتستخدم كوسيلة للتبادل، ولهذا فإن شكل النقود أو مادتها
التي صنعت منها لا يعنيان الكثير طالما هي نالت القبول العام في المجتمع كوسيلة تبادل؛
فقديما استخدم الملح ونوعاً من الأصداف وبعض أنواع التبغ كنقود، حيث كانت تنال قبول
المجتمع الذي تتداول فيه.
ثم جاءت قاعدة
المعدنين، واستخدم الذهب والفضة والنحاس وأنواع من المعادن، ولقت العملات المعدنية
قبولاً كبيراً في مجتمعات كثيرة وحملت نقوشها رموزا وصورا لأعظم الحضارات التي مرت
بها البشرية. ثم سكّت النقود الورقية المقوّمة بالذهب وحلت محل الذهب والفضة في التداول
وبقيت تسمى نقوداً money، لإمكانية تحويلها إلى ذهب في أي وقت.
ولكن بعد أن أوقف
الرئيس الأميركي نيكسون العمل باتفاق «بريتون وودز» عام 1971، انفك الارتباط بين النقود
والذهب وانتهت فترة النقود المغطاة بالمعدن النفيس، وأصبحت النقود مثلها مثل أية سلعة
أخرى تكتسب قيمتها من عوامل العرض والطلب.
وجاءت مرحلة النقود
البلاستيكية وهي مصطلح يستخدم للإشارة إلى البطاقات البلاستيكية التي نستخدمها حاليا
بدلا من الأوراق النقدية الفعلية، كبطاقات الائتمان وبطاقات الخصم والبطاقات المدفوعة
مسبقا، في وقتنا الحالي هي الأكثر شيوعا عالميا حيث أصبحت هي الوسيلة الأولى المستخدمة
للدفع في معظم دول العالم.
وعلى رغم أن ما
يستخدم اليوم من عملات يسمى نقوداً باعتبار سيولتها التامة، إلا أن بعض الكتاب تصف
نقود اليوم بأنها أشباه نقود Fiat Money وليست نقوداً حقيقية، بدليل
فقدها قيمتها لو خرجت إلى دولة أخرى، إذ ستصبح مثلها مثل أية ورقة بيضاء في جيبك لا
تفيدك بشيء.
اعتبار النقود
بأنها أية وسيلة مقبولة للتبادل، فتح الباب لمحاولات بعض الهواة لخلق نقود إلكترونية
خارج سيطرة البنوك والأنظمة المصرفية في العالم، وتعتبر «البتكوين» bitcoin،
خير مثال على ذلك فهي حاليا تعد الأشهر في هذا المجال.
والبتكوين هي عملة
إلكترونية ليس لها وجود مادي في الواقع، وإنما تستخدم كوحدات محاسبية من خلال الحواسيب
فقط. وعلى رغم أنها ما زالت غامضة وصعبة الفهم ويعتمد إصدارها على خوارزميات معقدة،
إلا أنها نالت شهرة واعترافاً كبيراً. فالبتكوين أصبحت أداة مقبولة للبيع والشراء،
كما يمكن تحويلها وصرفها إلى عملات حقيقية كالدولار واليورو والجنيه الإسترليني وغيرها.
عندما ظهرت
البتكوين كانت قيمتها لا تساوي 5 سنتات أمريكية في نهاية 2009، ولكنها اليوم تصرف في
مقابل ما يصل إلى 8037.83 دولار (أي مايعادل 131000 جنيه مصري) وعلى رغم شهرتها التي
حققتها إلا أن دول العالم ما زالت منقسمة حولها. فالصين حرمت استخدامها، فيما اعترفت
بها ألمانيا، وتمارس عملية التجارة والبيع والشراء بالبتكوين في أميركا علناً على رغم
عدم اعتراف أميركا بها رسمياً كعملة، وإن كانت السلطات هناك أصدرت تعميمها على المواقع
التي تتعامل بالبتكوين بالتأكد من هويات المتداولين.
استخدام نقود أو
عملة لا وجود لها في الواقع الحقيق ليس بالأمر الجديد، فحقوق السحب الخاصة المعروفة
بـSDR والمستخدمة في صندوق النقد
الدولي منذ سبعينات القرن الماضي لا تتداول بين العامة كالبتكوين، وإنما تستخدم لغرض
خاص داخل الصندوق فقط.
قابلية البتكوين
وارتفاع قيمتها في السوق جعلا محاولات إيجاد نقد إلكتروني تتقدم للأمام أكثر. كما جعلت الكثيرين يخوضون التجربة لإختراع عملة
وهمية جديدة علها تحظى بما حظيت به البيتكوين من قبول، من ضمن هؤلاء شخص أمريكي يدعى
دوغلاس جاكسون حيث حاول خلق عملة من الذهب الإلكتروني E-gold يتم تداولها إلكترونياً مثل البتكوين دون أن يكون لها وجود مادي ملموس لكن محاولته باءت بالفشل
بعد أن أغارت عليه السلطات الأمريكية وأقفلت موقعه متهمة إياه بغسيل الأموال، ولكن
ما أغراه بالعودة حالياً هو الإقبال الجيد الذي تشهده عملة البتكوين.
ختاماً، مازال
الوقت باكراً للاحتفال بنهاية عصر النقود الورقية التي نعرفها اليوم، ولكن مع فتح الباب
لشراء تذاكر المباريات، ودخول صالات السينما، وتذاكر الطيران، وسداد رسوم الجامعات
باستخدام البتكوين وغيرها من العملات الحاسوبية، وقرب عودة التداول بالذهب الإلكتروني
من خلال الحواسيب ومواقع الإنترنت، فالأكيد أن تغييراً كبيراً تبدو بوادره في الأفق.
وعلى رغم ريبة البعض وتشكك البعض الآخر في نجاح التحول إلى العملات الحاسوبية، إلا
أن التطور الطبيعي للعملات من الملح إلى الذهب ثم إلى النقد الورقي يجعل التحول للنقد
الإلكتروني أمراً قابلاً للتطبيق. فالتشكيك لن يقف عائقاً أمام التطور الكبير الذي
أسهمت به الحواسيب الذكية في شتى مجالات الحياة، وكما يقال إن غداً لناظره قريب.