اسأل بنكي.. كيف ظهرت النقود الورقية؟
الكاتب
تم إبتكار العملة الورقية لتكون بمثابة
وعد من الجهة المصدرة بتحويلها إلى نقود سلعية متى ما أراد حاملها ذلك، ومن بعد ذلك
تطورت الأوراق النقدية بتطور النقد فأصبحت قيمتها ليست نابعة من القدرة على تحويلها
إلى نقود سلعية إنما أصبحت تستمد قيمتها من ضمان الحكومة المصدرة لها، وبهذا أصبحت
تدعى (النقود القانونية).
ولكن قبل ظهور العملات الورقية والمعدنية
المعروفة حالياً، كانت أدوات التبادل تشمل استخدام الأحجار الكريمة وبعض السلع كالقمح
والسكر والملح، وفي المجتمعات القديمة كان يتم التداول بأنياب الفيلة والفراء وجلود
الحيوانات والزواحف والطيور والأسماك والدواجن، وظل الأفارقة يستعملون لفترة طويلة
الودع أو الصدف الأحمر وكذلك الهنود واليابانيون، وكانت المعادن أول وسيط في عمليات
البيع والشراء، حيث استعملت على شكل سبائك، ثم تدخلت السلطات فيما بعد ووحدت الأوزان
والمعايير وصادقت عليها بعلامة رسمية، ثم تحولت بعد ذلك إلى قطع نقدية، ويعتقد أن هذه
المرحلة بدأت في القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد، وهكذا لقيت العملة المعدنية رواجاً
لدى شعوب العالم القديم، وذلك لسهولة حملها وقابليتها للتجزئة وحفظها للثروة وعدم قابليتها
للتلف، حتى أن قيمتها تعتبر ثابتة نسبياً، وظلت الأمور هكذا حتى بدء صدور العملة الورقية.
وأشارت الدراسات التاريخية إلى أن الصين
كانت أول بلد طبع العملة الورقية وذلك في عهد
سلاله تانغ (618 - 907)، ولقد كانت الفكرة الاُولى لنشوء العملة الورقية قد
ولدت بين التجار الذين يتنقلون من بلد إلى بلد ويحملون نقودهم الذهبية والفضية معهم
فكانت عرضة للضياع والسرقة فاستعاضوا عنها بوثائق خطية تُثبت مقدار ملكيتهم فكانت تمثل
البديل الورقي البدائي للعملة المعدنية (الذهب والفضة) وشهادة بقدرة حاملها على دفع
المقدار المثبّت على متنها.
ولم تصل النقود إلى أوروبا سوى في القرن
الرابع عشر، ولم تتطور إلى ما يشبه وظيفتها الحالية سوى في القرن السابع عشر فكان ستوكهولم
أول مصرف أوروبي يصدر العمله الورقيه في عام 1660، إلا أنه فشل في عام 1664 بالايفاء
لدفع قيمة كل ما اصدره من عملات ورقية بالذهب، فأعلن إفلاسه في ذلك العام.
وفي عام 1669 بدأ مصرف إسكوتلندا بإصدار العملات
الورقية، ولا يزال حتى الآن -بعد أكثر من 300 عام- يقوم بهذه المهمة بنجاح، ليصبح بذلك
المصرف الذي أصدر عملات ورقية لأطول وقت دون توقف.
وجاءت أمريكا بعد ذلك وأصدرت العمله الورقيه
لأول مره في عام 1660 وذلك في مستعمره خليج ماسشوتس (إحدى المستعمرات 13 التي تؤلف
أمريكا في ذلك الحين)، إلا أن العملات الورقية كانت تصدرها مصارف خاصة مما جعل البعض
يرفض استلام عملات التي تصدرها مصارف لا يثق بها، بل وقد كان البعض يستلم عملات أخرى
بأقل من قيمتها لنفس السبب. في عام 1776 (مباشرة بعد الاستقلال من بريطانيا) بدأ المصرف
المركزي بإصدار عملة الدولار ، إلا أن هذه العملة لم تكن مغطاة بالذهب كالنقود القانونية
مما لم يشجع الناس للتعامل بها. ولكن القانون الذي أقره الكونغرس كان يُجرّم كل من
لا يقبل الدولار كعملة باعتباره عدو للدولة. ولم تستمر هذه الثقة طويلًا فتكاليف حرب
الاستقلال أجبرت الحكومة على طبع العملات بشكل كبير مما تسبب في تضخم هائل فقد الدولار
على إثره قيمته، إلى أن رُبط بالذهب والفضة في عام 1789 على يد الكسندر هاميلتون. وقد
استمر هذا الوضع حتى عام 1860 حينما أجبرت الحروب الأهليه الحكومة الأمريكية على طبع
كميات كبيرة من النقود لم تكن مغطاة بأي من المعدنين (الذهب أو الفضة). وقد كانت العملات
المطبوعة في ذلك الوقت هي أول عملة اكتسبت اللون الأخضر الذي يشتهر به الدولار الأمريكي
حاليًا.
والتضخم الهائل جعل الحكومة الأمريكية تُعيد ربط
الدولار بالمعدنين في عام 1879، ثم أعيد فك الربط بشكل مؤقت في عام 1933 على يد الرئيس
فرانكلين روزفلت للتخلص من آثار الكساد العظيم وقد اعيد ربطه من جديد في العام الذي
تلاه ولكن بتعديل كبير في سعر الدولار ، وكذلك بمنع الشعب الأمريكي من استبدال الدولار
بالذهب أو الفضة (أو حتى الاحتفاظ بكميات كبيرة من الذهب أو الفضة)، وقد كان يحق للحكومات
الأجنبية فقط استبدال الدولار بأي من المعدنين، وفي عام 1971 قام الرئيس نيكسون بإعادة
فك ارتباط الدولار بالذهب وبقي الدولار حتى الآن كذلك.