رئيس التحرير
محمد صلاح

كورونا والاقتصاد المصري.. التداعيات والتدابير

أحمد مجدي منصور
أحمد مجدي منصور
هل الموضوع مفيد؟
شكرا
كتب
الكاتب

أكدت دراسة للدكتور أحمد مجدي منصور، مدير الائتمان بأحد البنوك، إنه في ظل تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد العالمي التي كانت مقدرة من البنك الدولي  بواقع 3% من إجمالي الناتج المحلي العالمي لعام 2020 والتي من المحتمل أن تنخفض دون ذلك، جاءت الضربة القاسمة لفيروس كورونا من العملاق الصيني ذات ثاني أكبر اقتصاد في العالم بإجمالي ناتج محلي بلغ 13.6 تريليون دولار لعام 2018 مصحوبا بمعدلات نمو بلغت 6.6% لنفس العام و ذلك مقارنة بالاقتصاد الأمريكي الأكبر في العالم  بإجمالي ناتج محلي بلغ 20.5 تريليون دولار في عام 2018 مصحوبا بمعدلات نمو بلغت 2.9% للعام ذاته، وفقا لأحدث بيانات البنك الدولي بتاريخ 23 ديسمبر 2019..


وبحسب الدراسة تتجلي مخاطر الأزمة الحالية التي قد تفوق تداعيات الأزمة المالية العالمية لعام 2008، حيث تسببت الآثار الغير مباشرة لفيروس كورونا في تكاليف اقتصادية ومالية كبيرة لجميع دول العالم مقدرة بنحو 3 تريليون دولار وذلك وفقا للبنك الدولي

المخاطر الحالية تشمل تعطيل الإنتاج العالمي والدفع به إلى حالة من الكساد بسبب نقص المعروض من ناحية وقلة الطلب في الوقت ذاته مما ينذر بحالة من الركود الاقتصادي

وعلي الصعيد الآخر نجد أن الطلب العالمي يتأثر سلبا نتيجة انخفاض إنفاق المستهلكين وانخفاض أسعار الأصول وضعف الطلب الكلي وغياب ثقة المستثمرين وخروج الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة والتي قدرت ب 83 مليار دولار والتي تعد أكبر خروج للتدفقات النقدية علي الإطلاق " وفقا لصندوق النقد الدولي"، وهبوط كافة أسواق المال العالمية بنسب هبوط فاقت انهيارات 2008، بالإضافة إلى انخفاض أسعار الفائدة

وأشارت الدراسة إلى أن الاقتصاد المصري ليس بمعزل بأي حال من الأحوال عن الاقتصاد العالمي وتداعيات فيروس كورونا ستؤثر بالطبع على الاقتصاد المصري كسائر اقتصادات العالم، ما دعا القيادة السياسية وكافة أجهزة الدولة باتخاذ حزمة إجراءات وتدابير شاملة لدعم قطاع الصناعة وحماية المستثمرين والمستهلكين على حد سواء من تداعيات الأزمة والحد من آثارها السلبية المتوقعة بقدر الإمكان.

وتستعرض الدراسة  فيما يلي أهم التداعيات على الاقتصاد المصري:

السياحة :

تعد السياحة أحد أكثر القطاعات تعرضا للتذبذب والصدمات، وفي الوقت ذاته أحد أهم مصادر العملة الأجنبية حيث بلغت إيرادات السياحة 12.57 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو 2019 محققة 4.46% من إجمالي الناتج المحلي

وأدت ازمة كورونا إلى تقلص عدد السياح الصينين بالربع الأول من عام 2020 حيث يبلغ عددهم حوالي 250 ألف سائح سنويًا، وذلك الانخفاض بالتزامن مع رأس السنة الصينية التي هي قمة فترات السياحة الصينية

إذا لم تنحصر أزمة كورونا وإذا لم يتم احتواءها عالميا، سيؤثر ذلك بالسلب على حركة السياحة العالمية ومن ثم تدفقات السياح إلى مصر وإذا افترضنا احتواء الموقف عالميا في القريب العاجل، فأتوقع عودة تدفق السياح إلى مصر بالنصف الثاني من 2020 على أقل تقدير، مما يشير إلى فقدان أكثر من 50% من إيرادات السياحة.

لكن نحن على ثقة في إدراك الدولة لتلك الظروف القهرية فنجد مبادرة البنك المركزي المصري لقطاع السياحة عبر إتاحة مبلغ 50 مليار جنيه، من خلال البنوك، بسعر فائدة مخفضة بهدف تمويل إجراء عمليات الإحلال والتجديد اللازمة لفنادق الإقامة والفنادق العائمة وأساطيل النقل السياحي

بالإضافة إلى مجموعة الإجراءات التي اتخذها الاتحاد المصري للغرف السياحية والغرف التابعة له، ففيما يخص العاملين في المنشآت الفندقية، تم التأكيد على الالتزام بالاستمرار في دفع الرواتب للعاملين والتكفل بإقاماتهم

كما تقرر تأجيل سداد الضريبة العقارية المستحقة على المنشآت السياحية والمصانع وذلك لمدة 3 أشهر، إضافة لرفع الحجوزات الإدارية على كافة الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل سداد 10% من الضريبة المستحقة عليهم وإعادة تسوية ملفات هؤلاء الممولين من خلال لجان فض المنازعات .

تحويلات المصريين بالخارج:

تعد تحويلات المصريين بالخارج أحد أهم موارد العملة الأجنبية حيث بلغت 25.15 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو 2019 محققة 8.9% من إجمالي الناتج المحلي

تتركز تلك التحويلات في الغالب من المصريين العاملين في الدول العربية ودول الخليج التي تعتمد أغلب مواردها على الصادرات النفطية مما يشكل ناقوس الخطر في ظل تدني أسعار البترول العالمية ولاسيما إذا قامت تلك الدول باتباع سياسات إنكماشية مما سيضطرها إلى عدم التوسع بالمشروعات و من ثم تقليل العمالة وهو ما قد يؤثر سلبا على تحويلات المصريين بالخارج في الفترة المقبلة.

و تجدر الإشارة إلى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي انتهجته مصر و كان من أثره ارتفاع الاحتياطي النقدي لمستويات قياسية بلغت 45.4 مليار دولار وفقا للبنك المركزي المصري بنهاية يناير2020.

قناة السويس:

تعد قناة السويس أحد أهم الممرات الملاحية في العالم وأحد أهم شرايين الاقتصاد المصري و من أهم مصادر النقد الأجنبي، حيث يعبر من خلالها 8.3% من إجمالي حركة التجارة العالمية، وما يقرُب من 25% من إجمالي حركة البضائع و الحاويات عالمياً، و 100% من إجمالي تجارة الحاويات المنقولة بحراً بين آسيا وأوروبا

وسجلت حركة الملاحة بالقناة خلال عام 2019 عبور 18.88 ألف سفينة, وسجلت ايرادات بلغت 5.8 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو 2019 محققة  2% من اجمالي الناتج المحلي و ذلك وفقا لبيانات هيئة قناة السويس و البنك المركزي المصري

كما ذكرنا من قبل ان تبعات تراجع الانتاج من الصين والإضرار بسلاسل التوريد العالمية وانعكاساته على حركة التجارة العالمية وهبوط أسعار النفط العالمية إلى مستويات متدنية سيؤثر سلبا علي حركة الملاحة بقناة السويس

لكن تجدر الإشارة إلى نجاح هيئة قناة السويس في التعامل بمرونة وحرفية مع التحديات الدولية والمتغيرات الطارئة من خلال انتهاج إستراتيجية عمل تعتمد على التطوير المستمر للمجرى الملاحي للقناة، وتطبيق سياسات تسويقية وتسعيرية مرنة لجذب عملاء جدد وخطوط ملاحية جديدة، بالإضافة إلى رفع التصنيف العالمي للقناة، وتعزيز قدرتها على مواكبة التطورات المتلاحقة في صناعة النقل البحري واستيعاب الأجيال الجديدة من السفن العملاقة ذات الغواطس الكبيرة، مع توفير كافة عوامل السلامة والأمان للسفن العابرة لتظل قناة السويس الخيار الأول لمشغلي السفن على الطرق المرتبطة بها

ففي هذا الشأن تستطيع القناة استيعاب 100% من الأسطول العالمي لسفن الحاويات، و92.8% من أسطول سفن الصب الجاف، ونحو 61.9% من ناقلات البترول ومنتجاته و100 % من باقي أنواع الأسطول الأخرى (بحمولة كاملة) و 100 % من كل سفن الأسطول العالمي فارغ أو بحمولة جزئية

الواردات و الصادرات :

تمثل الواردات الصناعية ومستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة حوالي 80% من حجم الواردات المصرية، ونظرا لاعتماد الشركات العاملة بمصر على جانب كبير من موردي الصين الذين يعانون من خفض الانتاج، فتلوح في الأفق فرصة ذهبية للمكون المحلي لإحلال جزء من الواردات الصينية مما يعزز من أرصدة النقد الأجنبي و إعادة ضخها في  صورة رأس مال عامل وزيادة الإنتاج و من ثم زيادة إجمالي الناتج المحلي.

على الصعيد الآخر، فنجد أيضا فرصة ذهبية لمضاعفة الصادرات المصرية وتعظيم تدفقات العملة الأجنبية، فدول العالم وعلى راسهم مجموعة دول ال20 ادركوا خطورة الاعتماد على السلع و لوازم الانتاج الصينية دون وجود بدائل من دول أخرى, مما يعزز من فرص الصادرات المصرية و يدعوا إلى إعادة توطين أو النهوض بالصناعات المحلية مثل صناعات السيارات والإلكترونيات و الغزل والنسيج

و في هذا الصدد نجد أن المناخ الاستثماري مستعد لذلك من حيث تجهيزات البنية التحتية وشبكات الطرق و توفير مصادر الطاقة بالإضافة إلى محور التنمية بقناة السويس والمناطق الصناعية الملحقة به بخلاف المناطق الصناعية الأخرى في بني سويف والإسكندرية و غيرها.

 مما لاشك فيه أن الفرص سانحة لجني ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي عزز من القدرات التنافسية للاقتصاد المصري و يمكنه من جلب استثمارات أجنبية جديدة لضخها في صناعات لتحل بصفة جزئية محل المنتجات الصينية.  

 وعلى الصعيد ذاته لا يجب أن نغفل الدور المحوري الذي يقوم به البنك المركزي المصري في النهوض بالاقتصاد المصري و عبور أزمة فيروس كورونا

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى وقوف البنك المركزي مع الشركات العاملة بمصر فقام البنك المركزي بخفض كل من سعري الإيداع والاقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 9.25 % و10.25 % و9.75 % على الترتيب وذلك كإجراء استثنائي مما يساهم في دعم النشاط الاقتصادي بكافة قطاعاته

وفي الوقت ذاته أصدر البنك المركزي المصري توجيهاته للبنوك لدعم الشركات، من أبرزها تأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لمدة 6 أشهر، وعدم تطبيق عوائد وغرامات عند التأخر في السداد.

ختاماً لا يسع سوى الإشادة بحزمة الإجراءات الاقتصادية العاجلة والاستباقية التي انتهجتها أجهزة الدولة المصرية بحرفية شديدة، مع تطبيق لجوانب إدارة الأزمات لدعم الاقتصاد المصري و قطاع الصناعة و حماية المستثمرين والمستهلكين للحد من تداعيات أزمة فيروس كورونا الذي يهدد الاقتصاد العالمي وكشف هشاشة اقتصاد بعض الدول

هل الموضوع مفيد؟
شكرا
اعرف / قارن / اطلب