النقد العربي: 233 مليار دولار إجمالي حزم التحفيز العربية لمواجهة كورونا
أصدر صندوق النقد العربي العدد السادس عشر من سلسلة موجز سياسات بشأن "حيز السياسات المُتاح لدعم التعافي الاقتصادي من جائحة فيروس كورونا المُستجد في الدول العربية".
وأشار الموجز إلى أنه في أعقاب ما يزيد عن سبعة أشهر من إعلان منظمة الصحة العالمية لفيروس كورونا المُستجد كجائحة عالمية وتسارع الجهود العالمية لإنقاذ الأرواح وسبل العيش، لا يبدو أن العالم بات قريبًا من مرحلة الوصول إلى تجاوز هذه الجائحة، خاصة في ظل ترجيح منظمة الصحة العالمية في أوائل أغسطس الماضي أن تكون جائحة كورونا "طويلة الأمد"، بالتالي فالسؤال القائم يتمثل في، إلى أي مدى يتوفر لصناع السياسات الاقتصادية على مستوى الدول العربية حيز سياسات للاستمرار في تبني التدابير الموجهة خصيصًا لتجاوز الآثار السلبية لانتشار الفيروس على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي ودعم التعافي الاقتصادي.
وأوضح الموجز أن تدخلات الحكومات العربية ممثلةً في البنوك المركزية ووزارات المالية عبر حزم التحفيز التي بلغت قيمتها نحو 233 مليار دولار حتى تاريخه، قد ساهمت خلال الأشهر السابقة في التخفيف من الأثر الاقتصادي للأزمة.
يُستدل على ذلك من الأوضاع المريحة نسبيًا لمستويات السيولة في عدد من الدول العربية ومن الاتجاهات المُسجلة في مستويات منح الائتمان للقطاع الخاص، التي واصلت ارتفاعها في عدد من الدول العربية خلال النصف الأول من عام 2020 رغم الجائحة، وكذلك من حجم الدعم المُقدم للفئات الهشة من قبل شبكات الحماية الاجتماعية التي غطت الأسر محدودة الدخل واتسعت شموليتها لتشمل كذلك القطاع غير الرسمي.
وأشار الموجز إلى أن دعم التعافي في الأجل المتوسط يستلزم مواصلة جهود الحكومات العربية، لتحفيز النشاط الاقتصادي ومواجهة الآثار الناتجة عن الجائحة واستعادة الوظائف المفقودة التي تقدر وفق تقديرات صندوق النقد العربي بما يتراوح بين 6 و7 ملايين وظيفة في عام 2020.
وبين الموجز أن بعض التدخلات على صعيد السياسة النقدية ساعدت على تجنب ضغوطات شح السيولة بسبب الجائحة ومكنت البنوك من التوسع في منح الائتمان للقطاع الخاص، لا سيما فيما يتعلق بأداة اتفاقات إعادة الشراء ونسبة الاحتياطي القانوني، أما بالنسبة لحيز السياسات المتاح لاستخدام أدوات السياسة النقدية في المستقبل، أشار الموجز إلى أن الدول التي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي على سبيل المثال يتراوح حيز السياسات المُتاح لديها لاستخدام أداة سعر الفائدة ما بين 0.25 و2.25 نقطة مئوية، فيما يرتفع الحيز في حالة الدول التي تتبنى نظمًا أكثر مرونة لسعر الصرف إلى ما يتراوح بين 0.65 و3.65 نقطة مئوية.
من جانب آخر، وبالنظر إلى النسبة الحالية لمضاعف النقود التي تمثل قدرة البنوك على خلق الودائع وإلى معامل التفضيل النقدي الذي يمثل الأهمية النسبية للنقود من مجمل السيولة المحلية، يتضح وجود حيز للسياسات لاستخدام سياسة خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي في ست دول عربية، بما من شأنه تحرير سيولة تساعد على دعم مستويات الائتمان المحلي.
وأشار الموجز إلى أن خفض الفائدة المرتبطة بهذه العمليات وزيادة آجالها في المرحلة المقبلة من شأنه أن يساهم في توفير السيولة للبنوك بآجال تتوافق مع عملياتها ويدعم التعافي الاقتصادي. كذلك من شأن اتجاه الدول العربية ذات الاقتصادات المتنوعة إلى تعزيز مستويات مرونة أسعار الصرف أن يساعد على امتصاص الصدمات الخارجية ودعم التعافي الاقتصادي.
وعلى مستوى حيز السياسات المُتاح عبر السياسة المالية، التي يقع على عاتقها العبء الأكبر لتبني التدابير اللازمة للتخفيف من التبعات الناتجة عن فيروس كورونا المُستجد ودعم التعافي الاقتصادي، بين الموجز تعرض الموازنات العربية لصدمة مزدوجة خلال عام 2020 نتيجة التراجع الكبير المُسجل في مستوى الإيرادات النفطية والضريبية، في الوقت الذي التزمت فيه الحكومات العربية بزيادات كبيرة في مستوى الإنفاق للحد من وقع الركود الاقتصادي على مستويات الدخول والتشغيل.
بناءً عليه، تقلص الحيز المالي بشكل كبير في أربع عشرة دولة عربية، وهو ما يستلزم الإسراع بوتيرة الإصلاح الضريبي وترشيد الإنفاق العام لتوفير حيز مالي يُمكنعن طريق الاستمرار في دعم التعافي في الأجل المتوسط.
وفي هذا السياق، وعلى وجه الخصوص هناك حيز للسياسات للاستفادة من الإصلاح الضريبي في اثنتي عشرة دول عربية ينخفض فيها العبء الضريبي دون المعدلات العالمية. كذلك يمكن لسبع دول عربية تعزيز الحيز المالي المتاح لديها بالاستفادة من رقمنة الأداء الضريبي وغيره من الإجراءات التي تساعد على تسهيل الأداء الضريبي، أما فيما يتعلق بترشيد الإنفاق العام فمن واقع مقاربة نسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية مع المتوسط العالمي، يتضح وجود حيز للسياسات للاستفادة من ترشيد الإنفاق العام في إحدى عشرة دولة عربية.
كذلك من الأهمية بمكان تركيز الحكومات العربية على زيادة مستويات الإنفاق على مشروعات البنية كثيفة التشغيل وفي المجالات التي تساعد على تسهيل بيئة الأعمال والتغلب على الاختناقات التي تؤثر على جانب العرض الكلي.
في هذا الصدد، من شأن تنفيذ هذه المشروعات عن طريق أطر الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، بعد ضمان الحكومات العربية لتوفير المقومات الداعمة لنجاح مثل هذه المشروعات، أن يساهم في دعم التعافي الاقتصادي وتعزيز الاستدامة المالية.
أشار الموجز إلى أنه رغم أن التعامل مع الجائحة يستلزم بالطبع من واقع السياسات الاقتصادية التركيز على السياسات ذات القدرة على التحفيز السريع لجانب الطلب الكلي في الأجلين القصير والمتوسط، من ثم ينصب تركيز صناع القرار على أدوات السياسة النقدية والمالية والاحترازية الكلية، إلا أن لجوء صناع السياسات إلى تبني عدد من الإصلاحات الاقتصادية التي يتم تنفيذها في الأجل المتوسط وتستهدف جانب العرض الكلي وعلى رأسها الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية، أن يساعد على زيادة مستويات مرونة ومنعة الاقتصادات العربية.
من جهة أخرى، أوضح الموجز أنه ورغم أن الجائحة كان لها أثرًا غير مسبوقًا على مستويات الناتج المحلي الإجمالي في العديد من دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، إلا أن تأثيرها كان أكبر بالنسبة للدول ذات المستويات المنخفضة من التنويع الاقتصادي مقابل الاقتصادات الأكثر تنوعًا، التي أظهرت مرونة أكبر على صعيد التجاوب مع الأزمة.
ففي حين من المتوقع انكماش اقتصادات الدول العربية المصدرة للنفط بنحو 4.7 في المئة خلال عام 2020، فإن الأثر المتوقع على الدول العربية ذات الاقتصادات المتنوعة من المتوقع أن يكون بحدود 2 في المئة، بالتالي فإن أحد السياسات المقترحة لتجاوز التداعيات الاقتصادية السلبية لفيروس كورونا، تتمثل في الاستثمار في زيادة مستويات تنويع الهياكل الإنتاجية والتصديرية.