دراسة: تحرير سعر صرف الجنيه أنقذ مصر من تداعيات جائحة كورونا
كشفت دراسة حديثة الدور الكبير الذي لعبه قرار تعويم الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية في 3 نوفمبر 2016 وتركه لقوى العرض والطلب، في تخطي الأزمة الحالية التي يمر بها العالم الآن.
وقوبل القرار في حينه بالعديد من الانتقادات الشديدة من قبل العديد من المحللين والاقتصاديين وأصحاب المصالح، رغم ترحيب مجموعة أخرى من المؤسسات والاقتصاديين بالقرار، الذي صنف كتحد كبير أمام متخذي القرار بالبنك المركزي المصري.
وأوضحت الدراسة التي أعدها الخبير المصرفي، الدكتور أحمد شوقي، أن الهدف الرئيس من القرار في هذا التوقيت الصعب كان ضبط منظومة أسعار صرف الجنيه، والتي تمثل أحد أهم إجراءات عمليات الإصلاح الاقتصادي وعصب برنامج الإصلاح، والتي ساهمت في تحقيق العديد من المكاسب والإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري، وأهمها المساهمة الحقيقية في القضاء على عمليات المتاجرة في العملات الأجنبية خارج القطاع المصرفي بالسوق الموازي، وكبح جماح الآثار السلبية للسوق السوداء، التي أثرت بشكل ملموس على القطاعات الاقتصادية كافة.
إضافة إلى خفض معدلات التضخم لأدنى مستوياتها، إذ انخفض ليصل إلى أرقام أحادية 3.69% بنهاية سبتمبر 2020 مقارنة 19.42% منذ تاريخ التعويم ومقارنة بأعلى نقطة للتضخم العام 31.46% بنهاية أبريل 2017، أي بانخفاض يمثل نحو عشر أضعاف معدل التضخم الحالي، والذي مهد الطريق للمزيد من التيسيرات النقدية بالاقتصاد المصري وعلى رأسها تخفيض أسعار الفائدة وتحقيق معدلات ربحية أعلى والتأثير المباشر في أسعار السلع.
وتابعت الدراسة أن تحرير سعر الصرف ساهم في تحسن أداء الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي خلال مجموعة من المحطات خلال الأربع سنوات الماضية، والتي يمكن إيضاحها كالتالي:
المرحلة الأولى: مرحلة الاضطراب (2016)، إذ شهد الشهرين المتبقيين من عام 2016 اضطرابًا شديدًا ما بين ارتفاع وانخفاض، إذ قفز سعر الدولار أمام الجنيه المصري يوم قرار التعويم بنسبة 52% ليصل سعر الدولار شراء 13.53 جنيه مصري مقابل 8.85 جنيه مصري، وارتفع سعر الدولار ليصل إلى 17.76 جنيه بنهاية شهر نوفمبر 2016 مسجلاً ارتفاع قدرة 100% عن السعر المعلن بالبنك المركزي المصري في 3/11/2020، ثم ارتفع سعر الدولار الأمريكي مرة أخرى في 20 ديسمبر 2016 ليصل لأعلى سعر له مسجلاً 19.13 جنيه مصري.
المرحلة الثانية: مرحلة التحسن التدريجي (2017)، إذ بدأ سعر الجنيه المصري في التحسن التدريجي منذ أواخر عام 2016 ومع بداية العام 2017 حتى وصل سعر الدولار (شراء) 17.68 أمام الجنيه المصري مقارنة بأعلى نقطة 19.13 جنية في عام 2016 وبنسبة تحسن 7.6% وبقيمة انخفاض في سعر الدولار أمام الجنيه قدرها 1.45 جنيه مصري.
المرحلة الثالثة: مرحلة الاستقرار النسبي (2018)، إذ استقر سعر الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي خلال العام 2018 مع ارتفاع نسبي بسيط ليصل سعر الدولار أمام الجنيه المصري بنهاية عام 2018 إلى 17.86 جنيه مصري وبزيادة قدرها 18 قرشًا وبنسبة قدرها نحو 1.5%.
المرحلة الرابعة: مرحلة التعافي (2019)، إذ شهد العام 2019 بدء تعافي الاقتصاد المصري والتحول الحقيقي نحو النمو، إذ حقق الاقتصاد المصري فائض أولي يصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018/2019، وفائض مبدئي بالعام المالي 2019/2020 والذي يعد من أعلى معدلات النمو بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقارنة بالأعوام السابقة، والتي كانت تمثل أغلبها عجز بمتوسط قدرة -3.5%. وتحسن أداء الجنيه المصري أمام الدولار بنسبة 10.5% بقيمة قدرها 1.88 جنية ليصل سعر الدولار الأمريكي بنهاية العام 2019 عند 15.99 جنيه مصري للشراء.
المرحلة الخامسة: مرحلة الاختبار الحقيقي (2020)، مع بداية عام 2020 استمر تحسن أداء الجنية المصري أمام الدولار الأمريكي (للشراء) خلال أول شهرين استكمالاً لمرحلة جني ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي وبنسبة تحسن تصل إلى 3% وبقيمة قدرها 45 قرشًا، ليصل سعر الدولار للشراء إلى 15.54 جنيه مصري، ومع بدء انتشار أزمة فيروس كورونا في مارس 2020، والتي أصابت أسواق العملات الناشئة بتدهور حاد مع توقع بحالة من الركود للاقتصاد العالمي من قبل صندوق النقد الدولي، إلا أن أداء الجنيه المصري تأثر بنسبة طفيفة جدًا، إذ ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه بقيمة قدرها 15 قرشًا وبنسبة لم تصل إلى 1%.
ومع بدء تطبيق الإجراءات الاحترازية من البنك المركزي في 15 مارس 2020 استقر سعر الدولار (للشراء) لمدة شهرين كاملين عند 15.69 جنيه مصري، ثم شهد حالة من الارتفاع والانخفاض بمتوسط قدره 15 قرشًا خلال الفترة من 15 مايو حتى الآن، ليصل سعر الدولار الأمريكي 15.65 جنيه مصري متراجعًا مرة أخرى عن السعر الساري قبل بدء تطبيق الإجراءات الاحترازية من البنك المركزي المصري في 15 مارس، والتي كانت 15.69 جنيه مصري في حينه.
وأشارت الدراسة إلى أنه كان هناك مجموعة أخرى من العوامل المساهمة في تحسن أداء الجنية المصري أمام العملات الأجنبية، وعلى رأسها ارتفاع رصيد الاحتياطي الدولي من النقد الأجنبي، إذ وصل إلى 45.12 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2019، والذي يغطي احتياجات مصر لمدة 8 أشهر، والذي ساهم في العبور من أزمة كورونا وسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية، وبدأ في الارتفاع والاستقرار النسبي ليصل رصيد الاحتياطي النقدي إلى 38.42 مليار دولار أمريكي بنهاية سبتمبر 2020 إضافة لارتفاع ارتفاع قيمة تحويلات المصريين بالخارج لتصل قيمتها في الربع الرابع (أبريل - يوليو) من العام 2019/2020 إلى 9.1 مليار دولار امريكي مقابل 9.5 مليار دولار أمريكي خلال نفس الفترة بالعام الماضي.
بينما زادت قيمة تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 8.2% منذ بداية العام الحالي حتى نهاية يوليو 2020 بزيادة قدرها 1.3 مليار جنيه لتصل إلى 17 مليار جنيه مصري مقارنة بنفس الفترة للعام 2019، وثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري، لتحقيق معدلات ربحية عالية وعودة تدفق الاستثمارات الأجنبية مرة أخرى للسوق المصري.
وبالتالي يتضح سلامة قرار تعويم الجنية المصري أمام العملات الأجنبية المطبق منذ أربعة سنوات حتى الآن، والذي أثبت قوة ومتانة الاقتصاد المصري وسلامة الإجراءات المطبقة في الحفاظ على استقرار أداء الجنية أمام الدولار الأمريكي، والعبور من الأزمة الحالية التي أطاحت بالعديد من العملات بالأسواق الناشئة كالبيزو الأرجنتيني -51.9%، والريال البرازيلي 39.8%، والليرة التركية -30.3%، واليوان الصيني -0.1%، والبيزو المكسيكي -14.4%، والرينيجيت الماليزي -1%.
وحقق الجنيه المصري ثاني أفضل أداء للعملات 4.9%، كما حقق البيسو الفلبيني 6.1%، والدولار التايواني 4.8%، وفقًا لتقرير مؤسسة فيتش Fitch Solutions.