كورونا يصيب البورصة المصرية في 2020.. والبنوك تمنحها لقاح التعافي
جلسات معدودة وتطوى البورصة المصرية صفحاتها لعام 2020، بكل ما تحمله بين سطورها من فترات عصيبة، خاصة في ربعها الأول الذي تهاوت فيه الأسهم إلى مستويات سحيقة أفقدتها أكثر من 235 مليار جنيه من رأسمالها السوقي، وهوت بمؤشرها الرئيسي بما يزيد عن 45 في المئة، قبل أن تخرج البنوك وبالتحديد بنكي الأهلي ومصر وبتعليمات من البنك المركزي بلقاح الإنقاذ والتعافي، معلنة عن ضخ أكثر من 3 مليارات جنيه لوقف نزيف دماء الأسهم، أعقبها إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تخصيص 20 مليار جنيه لدعم البورصة، ما شكل نقطة تحول في مسيرة البورصة المصرية على مدار العام.
بورصة مصر مثلها مثل الاقتصاد المصري، كانت تتأهب لانطلاقة غير مسبوقة في عام 2020، كنتاج حقيقي لثمار الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته مصر على مدار أكثر من 3 سنوات سابقة بدأت في نهاية 2016، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، ليضرب العالم في الأيام الأخيرة من العام فيروس كورونا – كوفيد 19، والذي بدل اتجاهات اقتصادات العالم، ليدخل أغلبها في ركود حاد ضرب معه غالبية مؤشرات أسواق المال.
دخلت البورصة المصرية عام 2020، برأسمال سوقي بلغ 708 مليارات جنيه، ومؤشرها الرئيسي "إيجي إكس 30" يلامس 14 ألف نقطة ومؤشرها للأسهم الصغيرة والمتوسطة "إيجي إكس 70" عند مستوى 534 نقطة، قبل أن تعدل إدارة البورصة حساب قيمته في يونيو 2020.
وتعكس إحصاءات رصدتها وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن رأس المال السوقي لأسهم الشركات المقيدة بالبورصة قد استرد منذ 19 مارس وحتى قبيل نهاية العام بنحو 10 جلسات أكثر من 170 مليار جنيه (قابلة للزيادة في الجلسات المتبقية من العام) إذ بلغ رأس المال السوقي في مطلع جلسة 20 ديسمبر 2020 نحو 645 مليار جنيه ومقلصًا خسائره منذ بداية العام إلى 53 مليار جنيه، كما قلص مؤشر البورصة الرئيسي "إيجي إكس 30" خسائره من أكثر من 45 في المئة في منتصف مارس إلى 23% قبيل نهاية العام، بينما حقق مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة مكاسب قياسية تقترب من 70 في المئة، بدعم من عمليات المضاربة القوية التي جرت على أغلب الأسهم المكونة للمؤشر بعد خسائره التي تجاوزت 35 في المئة في الـ 78 يومًا الأولى من العام ليحقق المؤشر مكاسب إجمالية منذ 19 مارس وحتى قبيل نهاية العام بلغت نحو 105%.
ويقول محللون بسوق المال لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إن البورصة المصرية عانت بشدة في الربع الأول من العام، بسبب تأثرها بتداعيات تفشي فيروس كورونا في العالم، والذي ضرب الاقتصادات كافة، ما خلق حالة من الفزع في أسواق المال، بسبب عجز قادة العالم والحكومات عن مواجهة الوباء في تلك الفترة، فضلاً عن حالة التخبط التي سيطرت على تصريحات وقرارات مسؤولي الدول خاصة الكبرى، ما خلق حالة من اليأس بين أوساط المؤسسات الاستثمارية الدولية.
وأضافوا أن بورصات العالم كانت تهوي يوميًا بنسب تتراوح بين 5 و10 في المئة، وهي معدلات لم نكن نعتاد عليها من قبل، وكانت الأسهم في البورصة المصرية تهوي بشكل لا يستطيع أحد وقفه، حتى خسرت العديد من الأسهم ما بين 50 و300% من قيمتها خاصة في الفترة من منتصف فبراير وحتى منتصف مارس، وهي الفترة التي تزايدت فيها مخاطر تفشي فيروس كورونا وتزايدت فيها معدلات حصد الأرواح في العالم جراء هذا الوباء.
ومع صباح يوم التاسع عشر من مارس 2020، وبعد مرور دقائق معدودة من بدء جلسة التداول في ذلك اليوم كان رأس المال السوقي للبورصة قد خسر أكثر من 25 مليار جنيه، وتهاوت مؤشرات وأسهم السوق بشكل حاد، لتلقي البنوك وبالتحديد بنكي الأهلي ومصر وبتعليمات من البنك المركزي المصري كلمتها وتعلن عن خطة إنقاذ سريعة للبورصة المصرية ووقف الخسائر غير المسبوقة عبر ضخ 3 مليارات جنيه مناصفة بين كل منهما، أعقبها بأيام قليلة إعلان رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي عن توجيهات بضخ 20 مليار جنيه لدعم البورصة، ما أدى إلى تحول جذري في اتجاهات السوق منذ ذلك التاريخ.
وقال هشام عكاشة، رئيس مجلس ادارة البنك الاهلي المصري، إن قرار البنك بضخ 1.5 مليار جنيه في البورصة جاء ضمن القناعة الخاصة بأن تدني أسعار الأسهم بالبورصة لأقل من قيمتها الحقيقية لا يعبر عن القيمة الحقيقية لأسهم الشركات وأن الهبوط مؤقت، وبالتالي فهي فرصة سانحة للشراء وتحقيق أرباح مستقبلية على المدى المتوسط والطويل، مشيرًا إلى أن المبلغ المخصص قابل للزيادة لمزيد من المساهمة.
وأوضح يحيى أبو الفتوح، نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري، أن معدلات الأداء الأساسية الجيدة للشركات المقيدة في البورصة المصرية ساعد على اتخاذ قرار المساهمة بشكل قوي في البورصة المصرية، وتعويض الخروج المؤقت للمستثمرين الأجانب والعرب.
ويقول سمير رؤوف، خبير أسواق المال، إن البورصة المصرية كانت تعاني مثل نظيراتها من الأسواق العالمية من النزيف الدامي والمتواصل للنقاط منذ بداية العام وخاصة الفترة منذ منتصف فبراير الماضي وحتى بداية النصف الثاني من مارس، ما أفقدها قرابة ثلث القيمة السوقية لشركاتها المقيدة وأكثر من 6 آلاف نقطة تعادل نحو 45% من قيمة مؤشرها بين شهري فبراير ومارس الماضيين ليهبط وقتها المؤشر إلى أدنى مستوياته في 3 أعوام.
وتشير الإحصاءات إلى أن رأس المال السوقي لأسهم الشركات المقيدة في البورصة المصرية كان قد هبط في صباح تعاملات يوم 19 مارس 2020 إلى 474 مليار جنيه، وهو مستوى أقل بقيمة 235 مليار جنيه تقريبًا عن مستواه الذي بدأ به العام والبالغ 708.3 مليار جنيه، كما لامس مؤشر السوق الرئيسي "إيجي إكس 30" مستوى 8000 نقطة، بما يقل بنحو 400 نقطة عن مستواه يوم إعلان تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر 2016.
ويرى سمير رؤوف، خبير أسواق المال، أن تدخل القطاع المصرفي لدعم البورصة المصرية لم يتوقف عند حد الضخ النقدي للسيولة بالسوق، بل أعقبها العديد من القرارات والإجراءات التي اتخذها البنك المركزي لدعم الاقتصاد وساعدت البورصة على الاستمرار في التعافي، بدأت تلك القرارات بخفض تاريخي لمعدلات الفائدة بواقع 3% أعقبها إجراءات لدعم السياحة والصناعة والعقارات والأفراد والمتعثرين، والتي ساعدت بشكل كبير في تخفيف تداعيات الفيروس على الأوضاع العامة للاقتصاد والمواطنين.
وأضاف أن هذا التدخل من البنك المركزي والبنوك لدعم البورصة، والذي جاء بشكل مباشر لأول مرة في التاريخ، يعكس سرعة تفاعل الدولة مع الأزمات التي تصيب قطاعات الاقتصاد المختلفة، مشيرًا إلى أنه لولا تدخل البنوك بشكل مباشر وغير مباشر، "ربما كنا قد رأينا عامًا مأساويًا هو الأصعب في تاريخ البورصة المصرية".
ولفت إلى أن الأزمات العالمية في 2020 وتأثيرها على البورصة المصرية لم يتوقف عند حد تداعيات تفشي فيروس كورونا فحسب بل، إذ كان لأسعار البترول وما أصابها في أبريل من من العام ذاته عندما هبطت بعض أسعار الخام إلى مستويات سالبة لأول مرة في التاريخ أثره أيضًا على حركة أسواق المال في العالم، ومنها البورصة المصرية، التي تأثرت بشدة على مدار عدة جلسات وسط مخاوف من تفاقم الركود العالمي، وضياع أية فرص للتعافي من كورونا.
وأوضح رؤوف أن نجاح مصر في مايو ويونيو 2020 في التوصل لاتفاقين مع صندوق النقد الدولي بقيمة بلغت أكثر من 8 مليارات دولار، تخللهما نجاح مصر في بيع سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار وتغطيتها بأكثر من 4 مرات، عزز من الثقة في الاقتصاد المصري والبورصة المصرية خاصة أن ذلك أعقبه صدور تقارير إيجابية عن الاقتصاد المصري من مؤسسات عالمية مثل موديز وفيتش وستاندرد آند بورز، وأيضًا من صندوق النقد والبنك الدوليين، تضمنت إشادات قوية بمصر واقتصادها وسط توقعات انكماش اقتصاد العالم.
ويقول محمد عسران، رئيس إحدى شركات الأوراق المالية، إن عام 2020، كان عامًا صعبًا في بدايته على المستثمرين في البورصة المصرية، مشيرًا إلى أن العديد من المحافظ المالية للمستثمرين كانت قد أوشكت على الإفلاس، ومحافظ أخرى أصبحت بالسالب، نتيجة عمليات الائتمان الضخمة التي فاجئها الهبوط الحاد للأسواق.
وأضاف أن ثقة المستثمرين في الاقتصاد وسوق المال زادت بشكل مطرد بعد الدعم الكبير من الدولة بمؤسساته المختلفة سواء مؤسسة الرئاسة أو الجهاز المصرفي، ما أدى إلى عودة شرائح عديدة من المستثمرين إلى البورصة، بل نجح ذلك في جذب شرائح عديدة من المستثمرين بعدما شاهدوا رئيس الدولة يعلن ولأول مرة اهتمامه بالبورصة، وهو أمر لم يكن معهودًا من قبل.
ولفت إلى أن أهم ثمار قرار تدخل البنوك بدعم البورصة، تمثل في قيامها بمواجهة مبيعات الأجانب المكثفة على الأسهم المصرية خاصة في الشركات والبنوك القائدة، مشيرًا إلى أن الأجانب كانوا يقومون بعمليات بيع عشوائية وعنيفة على الأسهم هبطت بها إلى مستويات لا تقارن بقيمها العادلة الحقيقة، وجاء دخول البنوك الحكومية لشراء حصص الأجانب في هذه الأسهم قرارًا حكيمًا أعطى الثقة في الشركات المصرية بما شكل نقطة مضيئة جديدة في تاريخ الجهاز المصرفي المصري.