صراع أردوغان مع المركزي التركي يهوي بالليرة ويضرب ثقة المستثمرين في الاقتصاد
رغم قيامه بإقالة محافظ البنك المركزي في بلاده ثلاث مرات في أقل من عامين، إلا أن مسلسل الصراع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والبنك المركزي التركي يبدو أنه مسلسل لن ينتهي يدفع ثمنه اقتصاد بلاده الذي يفقد تدريجيًا ثقة المستثمرين الدوليين، وأيضًا الليرة التركية التي فقدت أكثر من 50 في المئة من قيمتها في عامين، منها 17% أمس.
وجاء قرار أردوغان المفاجئ بعزل محافظ البنك المركزي التركي ناجي إقبال بعد 5 أشهر فقط من توليه منصبه على خلفية رفع إقبال معدل الفائدة بقوة يوم الخميس الماضي بمعدل 2% دفعة واحدة، وهو الأمر الذي لم يجد قبولًا لدى الرئيس التركي ليتخذ قرارًا بعزله مقوضًا بذلك فرص استعادة الثقة في الاقتصاد التركي من قبل المؤسسات الدولية التي كانت تعتقد أن تركيا قد هجرت السياسات المثيرة للجدل اقتصاديًا ونقديًا.
وكانت الليرة التركية ضحية لقرارات أردوغان على مدار العامين الماضيين، إذ فقدت أكثر من 53 في المئة من قيمتها من مستوى 5.16 ليرة لكل دولار إلى 8.48 ليرة للدولار خلال تعاملات أمس قبل أن تتعافى جزئيًا صباح اليوم، وشهد العامين الماضيين إقالة 3 محافظين للبنك المركزي التركي.
ويرى محللون دوليون أن قرار أردوغان بعزل محافظ بنكه المركزي بسبب خلافات بشأن تيسير الائتمان، رسخ يقينًا لدى المستثمرين الدوليين بأن فرص استعادة ثقة المؤسسات الدولية في تركيا قد تراجعت كثيرًا، وهو ما أودى سريعًا بالليرة التركية التي هبطت لمستوى قياسي وحولتها للعملة الناشئة الأسوأ أداء.
وكان محافظ البنك المركزي التركي المقال قد رفع الفائدة من مستويات 10 في المئة إلى 19 في المئة، واتبع سياسات نقدية متشددة نجحت في رفع قيمة الليرة التركية من مستوى 8.5 ليرة لكل دولار إلى 6.99 ليرة للدولار، كما ارتفعت الليرة بـ 3 في المئة بعد قرار رفع الفائدة.
ورغم محاولات محافظ البنك المركزي التركي الجديد قوجي أوجلو -المعروف عنه معارضته لسياسات سلفه التشددية- طمأنة الأسواق وتهدئة فزع المستثمرين بأنه لن يتخذ قرارًا سريعًا بخفض الفائدة وأن أي قرار لن يكون قبل حلول منتصف أبريل المقبل، إلا أن استعادة مصداقية البنك المركزي التركي تحتاج إلى وقت طويل.
ونقلت وكالة بلومبرج الإخبارية عن بير هامارلوند ، كبير المحللين الإستراتيجيين للأسواق الناشئة في SEB AB في ستوكهولم قوله بأن البنك المركزي التركي لديه موارد محدودة لحماية الليرة، ورغم ذلك تم استبدال محافظ بنك المركزي بآخر متردد، ما قد يؤدي إلى تحول في توقعات المستثمرين تجاه تركيا.
وسيزيد ضعف الليرة المتوقع بعد التغييرات السريعة في قمة السياسات النقدية التركية الضغوط التضخمية في تركيا رغم تعهدات أوغلو باستخدام أدوات السياسة النقدية بشكل فعال لضمان استقرار دائم للأسعار بحسب بلومبرج، وأشارت الوكالة الدولية إلى أن الليرة كانت استعادت نحو 18% من خسائرها تحت قيادة أغبال للمركزي، لكنها أشارت إلى أن مصداقية البنك المركزي واستقلاليته قد قوضت بإجراءات أردوغان وتدخلاته التي فشلت مرارًا وتكرارًا وكانت الأسواق مستعدة لمنح أقبال فرصة، وهو ما سيجعل خليفته سيواجه صعوبة في إعادة بناء تلك الثقة.
ودفعت الفوضى التي تشهدها السوق التركية حاليًا وزير المالية التركي لطفي علوان بإصدار بيان لتهدئة مخاوف المستثمرين، أكد فيه أن بلاده عازمة على الالتزام بقواعد السوق الحرة ونظام التداول الحر للعملة، وأن السياسات المالية ستدعم السياسات النقدية لتحقيق استقرار في الأسعار.
وتبلورت صراعات أردوغان المستمرة مع البنك المركزي التركي بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بعد تكرار انتقاده للسياسات النقدية في بلاده أعقبها قراره المفاجئ في شهر يوليو من عام 2019 بإقالة محافظ البنك المركزي آنذاك مراد جتينقايا، قبل نهاية ولايته المحددة بنحو 4 سنوات، وتعيين نائبه مراد أويسال بدلًا عنه، ومنذ ذلك الحين لم تتحسن الأوضاع بل ساءت وفقدت الليرة أكثر من 60 في المئة من قيمتها، وذلك قبل تعيين ناجي أقبال بدلًا منه في نوفمبر الماضي قبل أن يقيله يوم السبت الماضي.
ورغم التحذيرات من التداعيات السلبية لمثل هذه الأفعال على مصداقية البنك المركزي والسياسات النقدية في تركيا، إلا أن الرئيس التركي لا يعبأ لمثل تلك التحذيرات.