جائحة كورونا.. صناعة الدفع الإلكتروني باتت ضرورة
يقول المثل العربي “رب ضارة نافعة”، وهو المثل الذي ينطبق إلى حد كبير عند البعض في أيامنا هذه على أزمة فيروس كورونا.. فرغم التداعيات السلبية للجائحة وخاصة الآثار الاقتصادية والتي طالت قطاعات المجتمع كافة ليس فقط في مصر وإنما على مستوى العالم، فإن هناك فئات حققت مكاسب كبيرة في خضم هذه الأزمة، وهي شركات الدفع الإلكتروني، إذ ساهم القدر والظروف الطارئة -جائحة كورونا- في تغيير نمط حياة المواطنين اجتماعيًا واقتصاديًا وفي أنماط استهلاكهم، الأمر الذي صب في صالح شركات الدفع الإلكتروني.
وفي ظل حرص الدولة على اتباع الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا، ظهرت الحاجة وبشكل عاجل وضروري لإتمام المعاملات المالية في مناحي الحياة كافة عبر نظم الدفع الإلكتروني. وساهم في نجاح نظم وآليات الدفع الإلكتروني بخلاف جائحة كورونا، الرغبة الحقيقية من قبل الدولة المصرية للتوجه نحو تطبيق التحول الرقمي والشمول المالي، وهو ما يعد سببًا قويًا لنقول بأن صناعة الدفع الإلكتروني والتكنولوجيا المالية أصبحت ضرورة ملحة الآن في مصر.
وفي ظل انتشار جائحة كورونا اضطرت معظم الشركات إلى تبني سياسات العمل عن بُعد، والتوجه نحو تفعيل أنظمة التكنولوجيا المالية، باعتبارها أفضل وسيلة لضمان استمرارية الأعمال، وهو ما كان سببًا رئيسيًا نحو إقبال الكثير من أصحاب الأعمال والشركات وكذلك المواطنين نحو استخدام شبكة الإنترنت لأداء وإجراء معاملاتهم المالية اليومية لشراء السلع الغذائية والبضائع الاستهلاكية عن بُعد، وذلك لتجنب الاختلاط مع الآخرين والحد من انتشار الفيروس، وهو ما كان سببًا رئيسيًا لزيادة عدد الوظائف التي أُعلن عنها في قطاع التجارة الإلكترونية بنسبة 18% خلال الفترة من نوفمبر 2019 وحتي فبراير 2020.
ولعل تطور ذلك الأمر كان سببًا رئيسيًا لتعزز الدولة جهودها لرفع كفاءة هذه المنظومة المتطورة على النحو الذي يُسهم في التحول التدريجي إلى مصر الرقمية والاقتصاد غير النقدي والشمول المالي، بما يتسق مع ما توفره الدولة من خدمات مميكنة، تضمن تيسير حصول المواطنين على احتياجاتهم دون تحميلهم أي أعباء إضافية.
وشهدت المتحصلات الحكومية الإلكتروني زيادة بنسبة 223% بنهاية يوليو 2020 مقارنة بذات الشهر من 2019، كما أنه تم إنجاز 10 مراحل لتفعيل منظومة الدفع والتحصيل الإلكتروني بدءًا من مايو 2019 تم خلالها نشر نحو 17 ألف ماكينة تحصيل إلكتروني «GPOS» بالجهات الإدارية، وكانت القاهرة الأكثر نشرًا لهذه الماكينات مع مراعاة التوزيع الجغرافي.
كما أنه يجب الإشادة بدور البنك المركزي المصري في هذا الأمر، وما تم القيام به من جهود مصرفية نحو الارتقاء بمنظومة الدفع الإلكتروني وإنجاحها في مصر، إذ وضع قانون البنوك الجديد في الاعتبار كل الجوانب المتعلقة بالصناعة المصرفية، وهو ما ظهر بوضوح في إدراج باب كامل عن البنوك الرقمية، التي تعد أحد أهم الموضوعات العالمية المرتبطة بالقطاع خلال الفترة الراهنة، وذلك بما يتماشى مع خطط البنك المركزي الرامية إلى تعزيز الشمول المالي، وتطبيق أحدث نظم التكنولوجيا المالية في مجال الخدمات المصرفية.
كما سمح المركزي للبنوك بتملك أسهم شركات الدفع الإلكتروني بالكامل دون الاحتفاظ برؤوس أموال إضافية، ووفقًا لقانون البنوك الجديد، فإن البيئة التنظيمية للدفع الإلكترونى اختلفت بشكل كامل، وتم توسيع إشراف البنك المركزي المصري لتنظيم مختلف الجهات الفاعلة في مجال المدفوعات الرقمية وفرض واجبات الترخيص المباشر عليهم.
وفي إطار دعم وتشجيع البنك المركزي لصناعة الدفع الإلكتروني، فإنه وضع لها شروطًا لبدء ممارسة نشاطها وهي:
1- الحصول على رخصة تشغيل من البنك المركزي.
2- إيداع سند لصالح المركزي لضمان أداء الالتزامات التعاقدية.
3- الامتثال مع القواعد المنظمة للاحتفاظ الإلكتروني بالمستندات التي يحددها البنك المركزي المصري.
4- الحصول على موافقة البنك المركزي قبل تعيين مسؤولين تنفيذيين.
5- الإخطار أو الحصول على موافقة المركزي قبل تعديل هيكل ملكية المساهمين.
6- الحصول على موافقة البنك المركزي المصري قبل تغيير عقد التأسيس.
ودشن البنك المركزي نظام المدفوعات اللحظية الخاص بالمدفوعات بين البنوك، وأنشئ محولًا قوميًا وغرفة مقاصة إلكترونية لمدفوعات التجزئة، وميكنة الرواتب الحكومية والمعاشات والرواتب، وتطوير إجراءات الترخيص والرقابة على نظم الدفع، كما توسع البنك في تحديث القوانين والتشريعات، وتدشين شركة قابضة للتكنولوجيا المالية، وإدارة خاصة بها، وإضافة فصل كامل للمدفوعات الرقمية بقانون البنوك الجديد، وتدشين حاضنة أعمال للمبتكرين، والمختبر التنظيمي للتطبيقات المبتكرة.
كما دعم البنك المركزي المصري التحول نحو إنشاء البنوك الرقمية، والتي تقدم خدمات مصرفية عبر القنوات والمنصات الرقمية باستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة، وتخضع البنوك الرقمية لمتطلبات إنشاء البنوك الفعلية، باستثناء الحد الأدنى لرأس المال القانوني، الذي يمكن التنازل عنه من قبل مجلس إدارة البنك المركزي المصري.
وأطلق البنك المركزي مبادرة للتشجيع على استخدام السداد الإلكتروني تحت عنوان "باي باي نقدية"، الأمر الذي يعكس الاهتمام والحرص من قبل المركزي المصري لإنجاح هذه الصناعة المصرية الوليدة، والتي باتت ضرورة مهمة في ظل التحول السريع لبيئة الأعمال المصرفية وتوجه الدولة الواضح نحو تطبيق التحول الرقمي والشمول المالي وتنشيط السداد الإلكتروني للمدفوعات، وتقليل الاعتماد على الكاش، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها مصر لمواجهة فيروس كورونا، بهدف تعظيم مساهمة القطاع المصرفي بشكل فعال في خطة الدولة للتعامل مع التداعيات المحتملة للفيروس.
وتستهدف هذه المبادرة زيادة ثقافة التعامل بماكينات نقاط الإلكترونية وتنشيط عمليات الدفع الإلكتروني، باستخدام كروت الدفع الإلكتروني والهاتف المحمول، للتسهيل على المواطنين والتجار في تعاملاتهم اليومية، كما أن هذه المبادرة ستساهم في إتاحة جميع الخدمات المالية للمواطنين بصورة عادلة ورفع معدلات استخدامهم لتلك الخدمات بصورة سهلة وآمنة بتكلفة مناسبة، وتدعيم البنية التحتية لنظم الدفع وتوفير الوسائل الإلكترونية المختلفة لمساعدتها في نشر الخدمات المالية الرقمية وتحقيق معدلات أعلى للشمول المالي.
وعبر المبادرة، سيتم نشر 100 ألف ماكينة دفع إلكتروني POS، عن طريق البنوك الحاصلة على ترخيص القبول الإلكتروني عبر نقاط البيع الإلكتروني، على أن يتم توزيعها جغرافيا في المحافظات كافة، مع مراعاة التوزيع الجغرافي للتجار الجدد في المحافظات، وفقًا للتوزيع الذي يقترحه البنك المركزي، كما اشترط البنك المركزي المصري أن يتم إعطاء الأولوية للقطاعات الحيوية أو ذات الكثافات العالية للمعاملات النقدية الورقية مثل محطات الوقود والسوبر ماركت والصيدليات، مع الالتزام بالحد الأدنى لمواصفات نقاط البيع الإلكترونية POS ونقاط البيع الإلكترونية المصغرة Mini POS، وضرورة وضع عبارة (إهداء من البنك المركزي المصري) على هذه الماكينات.
وعلى جانب آخر، فإن أهمية دعم صناعة الدفع الإلكتروني، تأتي لما تقدمه من مساعدة للحكومات والدول في مواجهة ومكافحة العديد من الجرائم المالية، وعلى رأسها مكافحة جرائم غسل الأموال ومكافحة الجرائم المالية المشبوهة الأخرى والفساد وتمويل الإرهاب، وإحكام السيطرة على التعاملات المالية للأفراد عبر إدخالها تحت مظلة الدولة عن طريق التحول نحو منظومة الدفع الإلكتروني.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنه من ضمن المكاسب المحققة وفقًا لبعض الدراسات والتي ذكرت أنه في سياق توجه الحكومة المصرية خلال العشر سنوات المقبلة بتحويل القاهرة إلى مدينة رقمية تعتمد نظم الدفع الإلكتروني والتكنولوجيا المالية، فإن الأفراد بها سيوفرون نحو 27 مليار دولار من الكاش، كما أن الشركات العاملة داخل النظام الاقتصادي المصري ستوفر أيضًا نحو 300 مليار دولار باعتمادها على أنظمة الدفع الإلكتروني والتكنولوجيا المالية خلال العشر سنوات المقبلة.
ولفت المركزي إلى أن استخدام ماكينات الدفع الإلكتروني ضمن المبادرة، سيقتصر على الشركات والتجار الجدد من القطاع الخاص غير المسجلين لدى أي بنوك قابلة أخرى، ويلتزم البنك بالتأكد من عدم وجود ماكينات نقاط بيع إلكترونية أخرى تخص بنوك أو ميسري عمليات دفع لدى التجار والشركات المستهدفة لنشر نقاط البيع الإلكترونية المشار إليها، ويجوز للبنك الحصول على إقرار من التاجر كأحد الوسائل للتأكد من ذلك.
وأخيرًا فإن ما يقوم به البنك المركزي المصري من الإجراءات التي من شأنها أن تسهم في نجاح القطاع المصرفي المصري وتطوير الصناعة المصرفية، إنما يعكس حجم التغيير الإيجابي في آلية عمل الجهاز المصرفي المصرفي، بما يؤدي في النهاية لجعل الصناعة المصرفية المصرية دومًا في تصنيفات متقدمة من التنافسية، وبما يمكن أيضًا من إنجاح جهود الدولة الاقتصادية الأخرى، وهي في طريقها نحو إعادة بناء نظام اقتصادي مصري قوي وتنافسي على مدار الـ6 سنوات الماضية، وذلك استنادًا إلى الأهمية الاقتصادية الكبرى للقطاع المصرفي المصري ودوره المؤثر والإيجابي في مساندة ودعم الاقتصاد المصري وجعله أكثر تنافسية في مجتمع الأعمال العالمي.