الحصاد الاقتصادي الفلسطيني لعام 2024.. وتنبؤات 2025

أصدرت سلطة النقد الفلسطينية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بيانا صحفيا مشتركا حول الحصاد الاقتصادي الفلسطيني لعام 2024، والتنبؤات الاقتصادية لعام 2025، والذي يمثل استمرارا للجهود المشتركة للمؤسستين، علما بأن البيانات بالأسعار الثابتة ولا تشمل ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمه الاحتلال الإسرائيلي عنوة بعد احتلاله للضفة الغربية عام 1967.

الحصاد الاقتصادي الفلسطيني للعام 2024
انهيار المنظومة الاقتصادية وارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة
أكد البيان على أن فلسطين قد واجهت كارثة اقتصادية، واجتماعية، وإنسانية، وبيئية، وصحية، وتعليمية، وغذائية أدت إلى انكماش القاعدة الإنتاجية وتشويه الهيكل الاقتصادي لفلسطين؛ وأنه مع نهاية العام 2024 تشير التقديرات إلى استمرار الانكماش الحاد غير المسبوق في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82%، يرافقه ارتفاع معدل البطالة إلى 80%، فيما امتد هذا التراجع إلى اقتصاد الضفة الغربية بنسبة فاقت 19%، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 35%، وأدى ذلك إلى تراجع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28%، رافقها ارتفاع في معدل البطالة إلى 51%.
انهيار لكافة الأنشطة الاقتصادية في قطاع غزة
أفاد البيان، بأن الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد خدمي، أي أن حوالي 65% من الاقتصاد الفلسطيني هو خدمات، في حين أن القطاعات الإنتاجية الداعمة للنمو الاقتصادي تشكل حوالي 20% فقط من مجمل هذا الاقتصاد، وهو ما يدلل على أن الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد متغير، يتأثر بالصدمات بشكل كبير، وقدرته على التعافي أسرع كونه اقتصاد صغير، وأنه خلال العام 2024 تراجعت معظم الأنشطة الاقتصادية في فلسطين مقارنة بالعام السابق، حيث سجل نشاط الإنشاءات أعلى نسبة تراجع بنسبة بلغت 46% (38% في الضفة الغربية، و98% في قطاع غزة)، لتبلغ قيمته 332 مليون دولار، تلاه نشاط الصناعة بنسبة تراجع 33% (30% في الضفة الغربية، و90% في قطاع غزة)، منخفضا إلى حوالي 1.038 مليون دولار، ثم نشاط الزراعة بنسبة 32% (17% في الضفة الغربية، و91% في قطاع غزة)، متراجعا إلى نحو 564 مليون دولار، كما تراجع نشاط الخدمات بنسبة 27% (17% في الضفة الغربية، و81% في قطاع غزة)، ليبلغ 6,453 مليون دولار.
انخفاض في حركة التبادل التجاري من وإلى فلسطين
شهد حجم التبادل التجاري الفلسطيني مع العالم الخارجي انخفاضا بنسبة 11%؛ إذ انخفضت قيمة الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 13%، لتصل إلى 2.677 مليون دولار، إضافة إلى تراجع في الواردات بنسبة 11%، لتبلغ 9.069 ملايين دولار خلال العام 2024 مقارنة مع العام الذي سبقه.
وتشكل قيمة الواردات لفلسطينية أكثر من ثلاثة أضعاف قيمة الصادرات، وهو ما يعكس مستوى العجز في الميزات التجاري الفلسطيني، إذ أن أكبر حصة وصل إليها التبادل التجاري مع العالم الخارجي في قطاع غزة كانت في عام 2003 بنسبة بلغت 29% من إجمالي تجارة فلسطين، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى أقل من 4% خلال عدوان الإحتلال الإسرائيلي، حيث تسبب التوقف شبه التام في سلاسل الإمداد من وإلى قطاع غزة، بكارثة صحية وغذائية في جميع أنحاء قطاع غزة، نتيجة النقص الحاد في السلع الأساسية والأدوية والمستلزمات الصحية والمواد الغذائية، والتي يتم توفيرها بمستويات دنيا لا تتجاوز 5% من الكميات التي يجب أن تقدم فعليا إلى قطاع غزة.
وتشير البيانات إلى انخفاض نسبة الواردات من إسرائيل عبر الزمن، إذ شكلت في العام 1996 نحو 86% من إجمالي الواردات الفلسطينية، بقيمة بلغت 3.184 ملايين دولار، لتصل إلى 4.815 ملايين دولار في العام 2024، بالرغم من انخفاض النسبة إلى 60% من إجمالي الواردات الفلسطينية، وفي المقابل، بلغت نسبة الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل في العام 1996 ما نسبته 94% من إجمالي الصادرات، بقيمة 730 مليون دولار، لتتراجع في العام 2024 إلى 87% من إجمالي الصادرات الفلسطينية، بقيمة 2.304 مليون دولار.
ارتفاع حاد في معدلات البطالة
تعاني فلسطين من مستويات مرتفعة في معدلات البطالة ومن فجوة مناطقية؛ فخلال العام 2024 ارتفع معدل البطالة في فلسطين إلى 51%، بواقع 35% في الضفة الغربية و80% في قطاع غزة، مقارنة مع العام 2023 الذي بلغ فيه معدل البطالة في فلسطين حوالي 31%، بواقع 18% في الضفة الغربية و53% في قطاع غزه.
كما انخفضت نسبة المشاركة في القوى العاملة في فلسطين خلال العام 2024 لتصل إلى 40% مقارنة مع 44% عام 2023، فيما وصلت في قطاع غزة 36% بعد أن كانت 40% خلال العام 2023، وفي الضفة الغربية بلغت نسبة المشاركة في القوى العاملة 43% مقارنة مع 47% خلال نفس الفترة.
الفقر ومستويات المعيشة
قبل عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة كانت معدلات الفقر في فلسطين تتجاوز 63%، علما بأن خط الفقر في فلسطين يبلغ حوالي 2.717 شيكلا إسرائيليا، وخط الفقر المدقع (الشديد) نحو 2.170 شيكلا إسرائيليا.
وتابع البيانات، أنه بعد العدوان المستمر على قطاع غزة يمكن القول إننا تجاوزنا مفهوم الفقر، وأصبحنا نتحدث عن مستويات مختلفة من المجاعة وانعدام الأمن الغذائي، مع تراجع إجمالي الاستهلاك بنسبة 24% (بحوالي 13% في الضفة الغربية، و80% في قطاع غزة) وهو ما يعكس الأثر المباشر على مستوى معيشة الأفراد في فلسطين، وما رافقه من ارتفاع في معدلات البطالة في فلسطين؛ بمعنى آخر، فإن معظم الأفراد في قطاع غزة يعانون من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي.
ارتفاع غير مسبوق في مستويات الأسعار
تسبب النقص الحاد في السلع التي تدخل إلى قطاع غزة نتيجة عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على القطاع، وما نتج عنه من تداعيات على الضفة الغربية، إضافة إلى تأثر فلسطين بالوضع الإقليمي، في ارتفاع حاد في مستوى الأسعار في قطاع غزة بأكثر من 227%، ترافق ذلك مع ارتفاع أسعار المستهلك في الضفة الغربية بنحو 3%، ما أدى إلى زيادة الأسعار في فلسطين بنسبة 50% وهو ما تسبب بدوره في انخفاض القوة الشرائية للمستهلك الفلسطيني خلال العام 2024 بنسبة 33%، بواقع 70% في قطاع غزة و3% في الضفة الغربية.
توقعات الاقتصاد الفلسطيني لعام 2025
أصدرت كلٍ من سلطة النقد والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريرين حول التنبؤات الاقتصادية للعام 2025، متاحة على الموقع الالكتروني لكل منهما؛ تضمنت التنبؤ بأهم المؤشرات الرئيسة في الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2025، مستندة في ذلك على مجموعة من العوامل والافتراضات، التي تم تضمينها في السيناريو الأساس، والتي يتوقع أن ينعكس تأثيرها على أهم المؤشرات في مختلف القطاعات (القطاع الحقيقي، والقطاع المالي، والقطاع الخارجي).
وتشير الافتراضات الأساسية التي استند عليها سيناريو الأساس، إلى استمرار الوضع القائم دون أي تغير جوهري في الظروف السياسية والأمنية الحالية.
ووفقا لهذا السيناريو، فإن الاقتصاد الفلسطيني سيستمر في مواجهة قيود مشددة على الحركة التجارية والمعابر، مع توقف شبه كامل للأنشطة الاقتصادية في قطاع غزة، بسبب الدمار الهائل الناتج عن العدوان الإسرائيلي، إلى جانب تعطل كبير في حركة العمالة الفلسطينية إلى إسرائيل.
كما يفترض هذا السيناريو استمرار التدهور في الوضع المالي للحكومة الفلسطينية، بسبب القرصنة الإسرائيلية من إيرادات المقاصة، إضافة إلى تراجع الإيرادات المحلية بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي ودورة الأعمال.
وعلى صعيد المنح والمساعدات الدولية، يفترض السيناريو أن مستويات المساعدات ستبقى عند مستوياتها المتدنية الحالية.
وبالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يستمر تأثير التطورات في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب على تكاليف النقل والتأمين البحري، وبالتالي التأثير سلبا على الحركة التجارية؛ وبناءً عليه، فمن المتوقع أن يبدأ الاقتصاد الفلسطيني (وفقا للسيناريو الأساس) في تحقيق ارتفاع طفيف تتراوح نسبته من 1.0% إلى 2% خلال العام 2025، مقارنةً بانكماش حاد يُقدر بحوالي 28% في العام 2024، ما يشكل أحد أكبر حالات التراجع الاقتصادي في تاريخ فلسطين.
وعلى الرغم من هذا النمو الطفيف المتوقع، إلا أنه لا يعكس تحسنا جوهريا في الأداء الاقتصادي، وإنما يعزى بشكل أساسي إلى تأثير قاعدة المقارنة مع عام شهد انكماشا غير مسبوق في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ومن المتوقع أن تسهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي ذات المساهمة الأعلى في تحقيق هذا النمو المتوقع، مدفوعا بنمو الإنفاق الاستهلاكي الخاص، ونمو القيمة المضافة للأنشطة الاقتصادية الرئيسية، فيما يتوقع أن يرافق هذا النمو انخفاض معدلات البطالة إلى 49.2%، مقارنة مع 51.2% في العام 2024.
ونظراً لكون البيئة التي يعمل فيها الاقتصاد الفلسطيني تنطوي على قدر كبير من المخاطر وعدم اليقين، فقد تم تضمين هذه التنبؤات تحليلا لمخاطر محتملة الحدوث بدرجات متفاوتة (السيناريو المتفائل، والسيناريو المتشائم)، والتي من المتوقع، في حال حدوثها، أن يكون لها تداعياتها الإيجابية أو السلبية على الأداء الاقتصادي في المدى القريب.