البنوك المركزية تحطم التابوهات في السياسة النقدية لمواجهة تداعيات الجائحة
الكاتب
يبدو أن أوضاع الاقتصاد في ظل جائحة فيروس كورونا
المستجد "كوفيد - 19" تعيد كتابة سجلات الاقتراض للحكومات والإقراض
للبنوك المركزية.
وبحسب
"الألمانية"، فإنه ربما تؤدي هذه الأوضاع أيضا إلى تحطيم المحرمات
الموروثة "التابوهات"، التي يفترض أن تقيم الخطوط الفاصلة بين سياسات
الاقتراض الحكومية والبنوك المركزية.
يذكر أن تمويل
الحكومات للإنفاق العام من خلال القروض من بنوكها المركزية يعرف باسم
"التمويل النقدي". وخطورة هذه العلاقة التي أكدتها وقائع التاريخ من
فايمار إلى مناطق في أمريكا اللاتينية، أنها تنحدر بسرعة إلى الدرجة التي تجعل
السياسيين يعتدون على استقلال البنك المركزي ودفع معدل التضخم إلى ارتفاع هائل
نتيجة قيام الحكومة بضخ السيولة النقدية بحرية كبيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد.
وخلال عديد من
الأزمات المالية والاقتصادية السابقة، كان هناك التزام بمنع التمويل المباشر من
البنوك المركزية للحكومات، رغم أن البنوك المركزية كانت تشتري كميات كبيرة من
سندات الخزانة لتمويل الحكومات، لكنها كانت تشتري هذه السندات من السوق الثانوية،
أي أنها تشتريها من مستثمرين وليس من الحكومات مباشرة.
لكن في ظل جائحة
صحية، فرضت ضغوظا غير مسبوقة على ميزانيات الحكومات، ويمكن أن تقلص قدرة سوق
السندات على تمويل الحكومات، قال بعض خبراء السياسة النقدية، إن هذا الوقت المناسب
لتجاوز سياسة الفصل النقدي بين الحكومة والبنك المركزي.
ونقلت وكالة
"بلومبيرج" للأنباء عن وليم بوايتر عضو لجنة السياسة النقدية في بنك
إنجلترا المركزي سابقا وكبير المحللين الاقتصاديين في مجموعة سيتي جروب المصرفية
الأمريكية القول، "الاستقلال لا يعني أنه يجب قول لا عندما يطلب منك التمويل
المباشر للحكومة، إنما يعني القدرة على قول لا".
وبحسب بوايتر، فإن
الرد الواجب الآن من البنوك المركزية على طلبات الحكومة، نعم وليس لا، مبينا أنه
في ظل ضخ البنوك المركزية الأموال في محاربة فيروس كورونا المستجد، لا يجب أن
الانزعاج من فكرة شراء سندات الخزانة مباشرة. ويمكن للبنوك المركزية شراء السندات
الحكومية مباشرة، بما يمثل التخلص من الحلقات الوسيطة فقط.
وفي الأسبوع الماضي،
قام بنك إنجلترا المركزي بإجراء يبدو قريبا من هذا التصور عندما مدد إمكانية السحب
على المكشوف لتشمل الحكومة، ما أثار اهتمام مراقبي تحركات البنوك المركزية. وكان
محافظ البنك المركزي البريطاني استبعد قبل ذلك بأيام قليلة إمكانية استخدام ما يعرف
باسم "التمويل النقدي"، ردا على دعوة أحد النواب السابقين لمحافظ البنك
إلى قيام البنك المركزي بشراء السندات الحكومية مباشرة.
وبحسب مسؤولين
بريطانيين، فإنه سبق للحكومة استخدام آلية السحب على المكشوف من البنك المركزي في
أوقات الحروب والأزمات، وكان آخر مرة تم فيها اللجوء إلى هذه الآلية بعد تفجر
الأزمة المالية عام 2008.
لكن
"بلومبيرج" تقول، إن التاريخ القريب للسياسة النقدية مليء بالتحركات
الاستثنائية التي تستهدف سد الفجوات المالية في أوقات الأزمات، ثم يصبح من الصعب
التخلي عنها بعد ذلك. كما أنها تؤدي إلى زيادة التشابك بين أموال الحكومات وأموال
البنوك المركزية.
على سبيل المثال،
بدأ بنك اليابان المركزي في شراء كميات كبيرة من السندات الحكومية منذ عقدين من
الزمان للمساهمة في إخراج الاقتصاد من دائرة الكساد. والآن أصبحت ميزانية البنك
المركزي أكبر من الاقتصاد الياباني نفسه، وأصبح يمتلك نحو 43 % من إجمالي
السندات الحكومية اليابانية. وتبنت البنوك المركزية في الدول الصناعية الأخرى
سياسة التخفيف الكمي النقدية التي تبناها لإخراج الاقتصاد الياباني من دائرة
الكساد.
يقول روسيل جونز
الشريك في شركة "لليويلين كونسالتنج" للأبحاث والاستشارات ومقرها في
لندن، "بنك اليابان رسم الطريق في أواخر التسعينيات ونحن سرنا على خطاه.. لقد
كان تحولا تقدميا. نحن نمضي نحو التمويل النقدي العلني".
وأكد المحلل
البريطاني، أنه "قد يتم تجاوز الحاجز بين التمويل الحكومي والبنوك المركزية
قريبا جدا إذا استمر تدهور الاقتصادات بسبب الجائحة، وسترى البنوك المركزية تقوم
بتمويل الحكومات مباشرة، وستفعل ذلك بشكل صريح، إنها مجرد مسألة وقت".