رئيس التحرير
محمد صلاح

ماذا يحدث عندما تتحكم نفقات الخزانة العامة في دفع الاقتصاد؟

الدكتور محمد العريان
الدكتور محمد العريان
هل الموضوع مفيد؟
شكرا
كتب
الكاتب

قال الدكتور محمد العريان، المحلل والخبير الاقتصادي العالمي، إن الاقتصاد الأمريكي اعتمد على مدى السنوات الـ 15 الماضية على مزيج من التمويل العام والخاص، لزيادة معدلات السيولة بالأسواق المالية، وتعزيز أسعار الأصول ودفع النمو الاقتصادي.


وكانت عملية إتاحة الائتمان بشكل واسع من قبل القطاع الخاص في الأوقات الجيدة، وضخ السيولة بأحجام هائلة من القطاع العام خلال الأوقات الأكثر صعوبة تعد عملية متسلسلة ومتتابعة، ولكنها تطورت لتصبح متزامنة في وقت واحد. لينتج عن ذلك زيادة ضخمة في مستوى الرافعة المالية، وهو ما قوبل بالترحاب من قبل الأسواق شجعه معظم الاقتصاديين حتى الآن.


لكن تلك العملية ستصبح أكثر إشكالية، إذا لم يتم التحقق من صحة الاقتصاد الذي تقوده إدارة الخزانة العامة عن طريق النمو القوي الشامل والمستدام أيضًا.


وطرح العريان في مقال نشر له بوكالة "فاينانشال تايمز"، دعوة للبدء بالتفكير في كيف وصلنا إلى الانفصال الكبير بين الأساسيات الاقتصادية والمؤسسية والشهية المرتفعة للمخاطرة، من جانب كل من مقدمي ومستخدمي تمويل الديون.


وأوضح أنه في خضم الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كان ائتمان القطاع الخاص يعمل بكامل قوته، إلى جانب ازدهار إصدار السندات، كما كان هناك ارتفاعًا سريعًا في إصدار السندات، والتي أوجدت طرقًا جديدة لزيادة الرافعة المالية بميزانيات الشركات والأفراد مع تقليل الحواجز أمام دخول الدائنين. لكن الأمور اتخذت مجرى خاطئًا نتج عنه زيادة ضخمة بمستويات المخاطرة.


وعندما أصبح الوضع في القطاع الخاص غير منظم من أجل تخفيض المديونية، كان على القطاع العام أن يتدخل ويفعل كل ما بوسعه لتجنب الدخول في حالة من الكساد. لترتفع بعدها الديون الحكومية والميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي مصحوبة بتأكيدات من المسؤولين بأن معدلات النمو ستنعكس بمجرد انتعاش النمو الاقتصادي.


لكن الخروج من هذا النظام أصبح صعبًا في سنوات ما بعد الأزمة، وجاءت محاولة سابقة لأوانها للحد من عجز الحكومة، وهو ما يخفض من معدلات النمو، ما يضيف إلى انعدام الأمن الاقتصادي لدى الأفراد، خاصة مع تدفق المزايا الناتجة عن النمو الضعيف فقط إلى الشرائح الميسورة من المجتمع.


وبدلًا من تقليل ميزانيته العمومية، لجأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى توسيعها، في انتظار أن يتسلمها أولئك الذين لديهم قدرة أكبر على تحقيق نمو اقتصادي حقيقي ودائم في سياسة اتسمت بالمراوغة.


وفي الوقت نفسه، اتجه القطاع الخاص إلى الاقتراض، إذ لم تشجع أسعار الفائدة المتدنية التي أقرها مجلس الاحتياطي الفيدرالي على تمويل التوسع التشغيلي، ولكن أيضًا وبصورة أكبر بكثير على شراء الأسهم، وتوزيع أرباح مرتفعة للأسهم، إلى جانب السعي وراء عمليات الدمج والاستحواذ. ثم جاءت صدمة وباء كورونا للاقتصاد والأسواق.


وقال العريان إنه وفي مواجهة تهديد جديد بالركود الاقتصادي، أصبح القطاع العام يميل إلى اتباع منهج "مهما كلف الأمر". لتنفجر الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي، إذ تضاعفت تقريبًا إلى ما يقرب من 7 تريليونات دولار في أقل من شهرين، كذلك الاقتراض الحكومي الأمريكي الذي ارتفع بنسبة 15% إضافية من الناتج المحلي الإجمالي.


كانت أبعاد وحجم هذه السياسات يعد في السابق غير قابل للتفكير فيه. ولكن للتغلب على مخاطر حدوث خلل في السوق وتجميد عمليات الائتمان، أصبح بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن لا يضمن فقط بضمان مخاطر السيولة ومخاطر الائتمان للشركات عالية الجودة، بل أيضًا يضمن مخاطر التخلف عن السداد في سوق السندات غير المرغوب فيها.


وأضاف أن الإجراءات المالية لمواجهة آثار وباء كورونا تضمنت إرسال شيكات معونة نقدية إلى الأسر الأمريكية كجزء من جهود الإغاثة واسعة النطاق. استفادت الأسواق المالية من التأثير الفوري لهذه الجهود، وسجل إصدار سندات الشركات أرقامًا قياسيةً جديدة، وكذلك تدفقات أموال المستثمرين إلى أسواق الائتمان، رغم انخفاض العائدات بشكل كبير. تضمن التأثير غير المباشر، إصدار السندات من الأسواق الناشئة بأكثر من 300 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام، متجاوزة المستويات المسجلة بنفس الفترات في عامي 2018 و2019.


ويرى العريان أن الارتفاع الكبير في الرافعة المالية سيثبت جدواه وستعد مستويات الدين هذه يمكن تحملها، فقط في حال انتعاش النمو الاقتصادي بسرعة. وطبقًا لهذا السيناريو، يمكن اعتبار استخدام الشركات والدول للديون في تعزيز الاحتياطيات النقدية وتعويض النقص الكبير في الإيرادات، طريقة حكيمة لتجنب مشكلات السيولة المؤقتة التي قد تتحول إلى مخاطر ملاءة مالية.


ولكن إذا جاءت معدلات النمو مخيبة للآمال، فسيتعين على الاقتصاد والأسواق التعامل مع عبء الديون الكبير، والذي سينتج عنه مشاكل أكبر للبنك المركزي في الأسواق، إلى جانب آفاق نمو أقل.


وبالنظر إلى أن هذا الانتعاش الاقتصادي يعد ناشئًا ويخضع لحالة من عدم اليقين، فإن الحل ليس سرعة التخلص من الديون من قوائم الميزانية العمومية، ولكن عوضًا عن ذلك، تظهر الحاجة إلى التطور.


ويوضح العريان أنه يتوجب أن تضمن الحكومات وجود أساسًا أقوى للنمو المرتفع والمستدام الذي يفيد كل الطبقات وليس فقط الأغنياء في المجتمع، كما يجب أن يكون المستثمرون أكثر انضباطًا بتقليل التعرض لمخاطر الإفلاس وخسائر رأس المال.

وأخيرًا، تحتاج الشركات إلى مقاومة إغراء استخدام الديون في زيادة التدابير المالية وارتفاع الأجور للوظائف التنفيذية.


هل الموضوع مفيد؟
شكرا
اعرف / قارن / اطلب