رئيس التحرير
محمد صلاح
الأخبار

النقد العربي يشارك بالاجتماع السنوي حول الاستقرار المالي والأولويات التشريعية والرقابية

صندوق النقد العربي
صندوق النقد العربي
هل الموضوع مفيد؟
شكرا

 تم افتتاح الاجتماع السنوي الثامن عشر عالي المستوى حول الاستقرار المالي والأولويات التشريعية والرقابية، بحضور معالي خالد محمد بالعمى محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، وسعادة الدكتور فهد بن محمد التركي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، وسعادة "بابلو هيرنانديز دي كوس" محافظ بنك إسبانيا ورئيس لجنة بازل للرقابة المصرفية، والسيد "فرناندو ريستوي" رئيس معهد الاستقرار المالي.


ينظم اللقاء صندوق النقد العربي وكل من معهد الاستقرار المالي (FSI) ولجنة بازل للرقابة المصرفية في بنك التسويات الدولية. يشارك في اللقاء عدد من كبار المسؤولين من محافظين ونواب محافظين ومدراء إدارات الرقابة المصرفية والاستقرار المالي، يمثلون تسع عشرة دولة عربية من مصارف مركزية وهيئات رقابية وهيئات أسواق المال. كما يشارك في الاجتماع ممثلون رفيعو المستوى من البنوك التجارية في المنطقة العربية، وشركات التصنيف الائتماني، وشركات خدمات التقنيات المالية، والجامعات، إلى جانب عدد من المؤسسات والهيئات العربية. كذلك يشارك في هذا الملتقى عدد من المؤسسات الدولية في مقدمتها بنك التسويات الدولية، ومجلس الاستقرار المالي، وصندوق النقد والبنك الدوليين، والبنك المركزي الأوروبي، ومجلس إدارة الأزمات الأوروبي (SRB)، والإتحاد الدولي لمؤسسات ضمان الودائع، وعدد من البنوك المركزية العالمية، إلى جانب المجلس الدولي لمعايير الاستدامة، والاتحاد الدولي لهيئات الاشراف على التأمين.

تجدر الإشارة إلى أن اللقاء سيناقش موضوعات هامة، مثل: المخاطر والاتجاهات الراهنة في القطاع المصرفي، والإصلاحات التشريعية والرقابية ذات الأولوية في برامج صانعي السياسات في المنطقة العربية، كما سيناقش أثر التقنيات المالية الحديثة على منظومة الرقابة المصرفية، وكيفية تحقيق التوازن بين الفرص والمخاطر المرتبطة بتلك التقنيات، وانعكاسات ذلك على الاستقرار المالي والنقدي. كذلك يناقش اللقاء، دور منظومة إدارة الأزمات في تعزيز الاستقرار المالي، ومدى الحاجة إلى مراجعة إطار إدارة الأزمات المصرفية لدى المصارف المركزية في ضوء المخاطر والتحديات المحيطة بالقطاع المالي، ومتطلبات خطط التعافي لدى البنوك ذات الأهمية النظامية. 

من جانب آخر، سيتطرق الاجتماع إلى مناقشة موضوع التفاعل بين السياسة النقدية والسياسة الإحترازية الكلية، وكيفية الحد بين تعارض أهدافهما. إضافة لذلك تتناول المناقشات، الدروس المستفادة من الإضطرابات المصرفية الأمريكية والأوروبية وإنعكاساتها على صعيد القضايا المرتبطة بالرقابة المصرفية والإستقرار المالي، إضافة إلى مناقشة موضوع دور المتطلبات الرقابية والسياسات الإحترازية الجزئية والكلية في الحد من المخاطر الجزئية والنظامية التي يتعرض لها النظام المالي، بما في ذلك إختبارات الأوضاع الضاغطة الجزئية والكلية ومتطلبات رأس المال والسيولة.

في هذه المناسبة، أعرب سعادة المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي الدكتور فهد بن محمد التركي عن سعادته بتنظيم هذا الملتقى السنوي الهام، منوهاً بما يحظى به اللقاء من أهمية لصانعي السياسات ومتخذي القرار في المصارف المركزية والمؤسسات المالية والمصرفية وكبار مسؤولي الرقابة المصرفية في المنطقة العربية، كملتقى سنوي لمتابعة المستجدات في قضايا الاستقرار المالي والتشريعات الرقابية، مشيداً بالموضوعات والقضايا المطروحة في اجتماع هذا العام، ومؤكداً تطلعه إلى مساهمة اللقاء في ضوء التطورات الراهنة في تعزيز الإدراك بالعديد من الجوانب والقضايا المتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي في الدول العربية، والاستفادة من تواجد الخبرات الرفيعة المتميزة.

فيما يلي كلمة سعادة المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي الدكتور فهد بن محمد التركي:

يسرني أن أرحب بكم، مع بداية اللقاء السنوي الثامن عشر عالي المستوى حول "الإستقرار المالي والأولويات التشريعية والرقابية"، الذي ينظمه صندوق النقد العربي بالمشاركة مع معهد الاستقرار المالي التابع لبنك التسويات الدولية ولجنة بازل للرقابة المصرفية.

اسمحوا لي بدايةً أن أعرب عن خالص شكري وتقديري لمعالي خالد محمد بالعمى، محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي وزملائه في المصرف على الدعم والمشاركة في هذا اللقاء الهام. كما أرحب بسعادة السيد بابلو هرنانديز ديكوس، محافظ بنك إسبانيا ورئيس لجنة بازل للرقابة المصرفية، وأرحب كذلك بالسيد "فرناندو ريستوي"، رئيس معهد الاستقرار المالي، شاكرين لهم مساهمتهم في تنظيم هذا اللقاء الهام، وتطوير محتوياته ليعكس بذلك القضايا والتطورات ذات الأولوية لمنطقتنا العربية.

كما أود في هذه الافتتاحية أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لأصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية ونوابهم على تكرمهم بقبول دعوة الصندوق للتحدث في اللقاء، والإحاطة بأولويات السلطات الرقابية في الدول العربية لتعزيز الاستقرار المالي، ومناقشة التحديات التي تواجهها القطاعات المالية والمصرفية العربية في هذا الشأن، الأمر الذي يعكس الأهمية الكبيرة التي يوليها أصحاب المعالي والسعادة المحافظين لقضايا تعزيز الاستقرار المالي في المنطقة العربية.

كما لا يفوتني أن أشكر جميع المؤسسات المالية الدولية والخبراء والمتحدثين على تفضلهم بالمشاركة معنا اليوم، وأرحب كذلك بالضيوف من الكرام من القطاعين العام والخاص.

يعكس حضوركم هذا اللقاء، دوره الهام، كملتقاً سنوي لمتابعة المستجدات في التشريعات الرقابية وقضايا الاستقرار المالي، ويؤكد أهميته لصانعي السياسات في المصارف المركزية والمؤسسات المالية والمصرفية ومدراء المخاطر في المنطقة العربية، وهو ما يشجعنا على مواصلة تطوير موضوعاته وتحديثها لتواكب المستجدات على الساحتين الدولية والإقليمية.

ولا يخفى عليكم أن القطاع المصرفي العالمي لا يزال يواجه منذ بداية جائحة كورونا تحديات ومخاطر متعددة، شكّلت أعباء إضافية على المصارف المركزية في إطار سعيها لتحقيق التوازن بين تحقيق الاستقرار النقدي، وتحفيز النشاط الاقتصادي، والمحافظة على  الاستقرار المالي، فمع ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، نتيجة الطلب القوي خاصة في الدول المتقدمة، والاختلالات في سلاسل الامداد، والتي فاقمها التطورات في القارة الأوروبية والتي أدت الى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية ، قامت المصارف المركزية العالمية بتدخلات قوية لاحتواء الضغوط التضخمية، تمثلت برفع أسعار الفائدة عدة مرات. لقد تنبهت المصارف المركزية إلى إمكانية أن يؤدي إتباع سياسة نقدية متشددة إلى تراجع المؤشرات الإقتصادية وخلق حالة من عدم اليقين من جهة، ومن جهة أخرى إحتمالية حدوث نوع من التعارض بين أهداف السياسة النقدية المتمثلة في إستقرار الأسعار وضبط التضخم، والسياسة الإحترازية الكلية المتمثلة في الحد من المخاطر النظامية وتعزيز الإستقرار المالي. حيث من شأن ارتفاع أسعار الفائدة أن يؤدي إلى انخفاض قيم أدوات الدين بما في ذلك السندات الحكومية والتي تمثل جزءاً مهماً من محفظة البنوك، وكذلك ارتفاع كلف الإقراض وبالتالي زيادة مخاطر الإئتمان، نتيجة إرتفاع عبء الدين للمقترضين، مما قد يؤثر على ربحية البنوك ونوعية موجوداتها. 

إن الاضطرابات التي حدثت في القطاع المصرفي الأمريكي والأوروبي في بداية العام الحالي، تُعد مثالاً جيداً لبعض المخاطر التي ينبغي التنبه لها، سواءً على صعيد الآثار الجانبية غير المقصودة للسياسة النقدية على القطاع المالي، أم على صعيد العلاقة بين المخاطر السيادية والاستقرار المالي، حيث من الممكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة لأدوات السياسة النقدية إلى تراجع القيمة السوقية للأصول المُصنفة كأصول عالية الجودة ضمن متطلبات كفاية رأس المال والسيولة، خصوصاً في حال الاضطرار لتسييل تلك الأصول في فترات يتبنى فيها المصرف المركزي سياسة نقدية متشددة، حيث قد تتحول الخسائر غير المتحققة إلى خسائر متحققة ، بما يؤثر سلباً على مؤشرات كفاية رأس المال والسيولة والربحية، ناهيك عن الإشارات السلبية التي قد تظهر في السوق أو وسائل التواصل الاجتماعي بما قد ينعكس سلباً ويؤثر على ثقة الجمهور واستقرار النظام المصرفي بشكل عام، وقد يستدعي ذلك تدخل السلطات المختصة لمعالجة أوضاع المؤسسات المتعثرة وتطبيق إحدى تقنيات الحل المناسبة، وبما يحد من مخاطر العدوى. ومما يفاقم المخاطر والتحديات التي تواجه المصارف المركزية والسلطات الرقابية، وجود مخاطر أخرى مهمة تواجه القطاع المالي، تتمثل بمخاطر تغيرات المناخ، والمخاطر السيبرانية، ومخاطر ترتبط بخصوصية بعض الدول، ومخاطر تقلبات أسعار الصرف، وغيرها.

يُعد النظام المصرفي اليوم أكثر استعداداً لاستيعاب تحمل الصدمات المالية والاقتصادية والمخاطر المرتفعة التي من الممكن أن يتعرض لها، ذلك بسبب تطبيق عدد من الإصلاحات التي تلت الازمة المالية العالمية بما في ذلك متطلبات رأس المال والسيولة وفق معيار بازل III، حيث عكس تطبيق هذه المتطلبات، اهتمام السلطات الإشرافية بتعزيز سلامة المراكز المالية للبنوك. وأدى تطبيق المعيار إلى تحسين رؤوس الأموال والسيولة كماً ونوعاً.

في هذا الإطار، بيّن تقرير الاستقرار المالي الصادر عن صندوق النقد العربي لعام 2023، استمرار المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في مراجعة وتطوير المنظومة التشريعية بغية تعزيز الاستقرار المالي، إضافةً إلى مواصلة تعزيز نظم البنية التحتية للقطاع المالي والمصرفي في الدول العربية، ذلك في إطار سعيها لتحقيق الاستقرار المالي. 

أبرزت المؤشرات المالية المتعلقة بالقطاع المصرفي العربي، أن القطاع المصرفي العربي وبالرغم من التحديات والمخاطر، كان مستقراً نسبياً وقادراً بشكل عام على تحمل الصدمات، وذلك في ضوء ما حققه القطاع من مستويات جيدة من رأس المال والسيولة وجودة الأصول والربحية، وهو ما يعكس جهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية.

يُعد هذا الاجتماع فرصة لمناقشة العديد من القضايا ذات الصلة بالاستقرار المالي وجوانب الرقابة المصرفية، ودور سياسات المصرف المركزي في تعزيز متانة القطاع المصرفي. حيث تفرض المرحلة الحالية أهمية قيام المصارف المركزية العربية بمواصلة تقييم المخاطر النظامية ودراسة الإرتباطات المحتملة المباشرة وغير المباشرة بين التطورات العالمية والإقليمية الراهنة والاستقرار المالي، وإستخدام ما يلزم من أدوات السياسة الإحترازية إذا إقتضى الأمر، كما تبرز أهمية التنبه المستمر للتفاعلات بين السياسة الإحترازية الكلية والسياسة النقدية تجنباً لحدوث تعارض بين أهدافهما أو الحد من آثاره بأكبر قدر ممكن. إضافةً إلى أهمية مواصلة تطبيق ومراجعة إختبارات أوضاع ضاغطة جزئية وكلية تقيس المخاطر بكافة أشكالها، وأثرها على مؤشرات كفاية رأس المال والسيولة وجودة الأصول.   

في نفس السياق، إن إزدياد تعقيد نماذج أعمال القطاع المصرفي في ظل بيئة مليئة بالمخاطر والتحديات، يحتم على المصارف المركزية مراجعة منظومة إدارة الأزمات وحوكمتها، وتطوير خطط الإنعاش لدى القطاع المصرفي. أما على صعيد المخاطر المستجدة، فمن المناسب مواصلة تقييم تلك المخاطر وإنعكاساتها على القطاع المصرفي، سواءً على صعيد الرقابة المصرفية أم على صعيد السياسة الإحترازية الكلية، خصوصاً المخاطر الجيوسياسية، ومخاطر تغيرات المناخ، والمخاطر السيبرانية، ومخاطر ارتفاع المديونية.  

في المقابل، تبرز أهمية تعزيز القواعد التنظيمية الداعمة لجهود تطوير التحول الرقمي، وتشجيع البنوك التجارية على تنفيذ العمليات المالية الرقمية واستخدام التقنيات المالية الحديثة، مع التأكد من وجود إجراءات وتدابير وأطر واضحة لتعزيز الأمن السيبراني وأمن المعلومات، وتوفير البنية التحتية الملاءمة والدعم الفني المناسب.

نحن ممتنون للجهود الكبيرة التي تقوم بها الأطر الدولية المعنية وفي مقدمتها لجنة بازل للرقابة المصرفية ومجلس الاستقرار المالي في متابعة تطوير القواعد والتشريعات الرقابية بصورة أكثر احترازية وشمولية للمخاطر، لمعالجة مختلف جوانب الضعف التي أظهرتها الأزمات السابقة بما في ذلك أزمة جائحة كورونا. لا شك أن تلك الجهود أثمرت عن تعزيز ملاءة القطاع المالي، وساهمت في تعزيز قدرة النظام المصرفي على إستيعاب صدمة جائحة كورونا والصدمات اللاحقة، حيث لم نشهد بحمد الله حدوث أي أزمات واسعة النطاق في القطاع المصرفي في الدول العربية بشكل خاص، وفي أنحاء العالم بشكل عام، وذلك بالرغم من شدة أثر أزمة هذه الجائحة. 

لا شك أن حضور هذا الحشد الكبير من الخبرات الرفيعة المتخصصة، سواءً من المؤسسات المالية الدولية أو البنوك المركزية اومن سلطات الإشراف والرقابة المصرفية المختلفة، إلى جانب العديد من المسؤولين وأصحاب القرار في البنوك والمؤسسات المالية معاً، سيسهم في الوصول لرؤية شاملة بخصوص سبل تطوير وسائل الرقابة والإشراف من أجل تحقيق استقرار مالي ومصرفي يسهم بكفاءة وفعالية في تحقيق التنمية الاقتصادية.

هل الموضوع مفيد؟
شكرا
اعرف / قارن / اطلب