بالأرقام.. رحلة برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري وتطور أسعار الفائدة منذ التعويم
الكاتب
في الثالث من نوفمبر عام 2016، أعلن البنك المركزي المصري
تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية ليتم التسعير وفقاً لآليات العرض والطلب
بهدف القضاء على السوق السوداء التي انتعشت في البلاد نتيجة الضغوط على الدولار.
قبل قرار تحرير سعر الصرف وبرنامج الإصلاح الاقتصادي كانت
مصر تطبق سياسات اقتصادية كلية غير متسقة، مما أدى بحلول عام 2016 إلى تراكم اختلالات
اقتصادية كبيرة؛ فقد أدت عجوزات الميزانية الكبيرة والسياسة النقدية التيسيرية وسعر
الصرف الثابت إلى انخفاض بالغ في احتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع التضخم وارتفاع الدين
العام إلى مستويات لا يمكن الاستمرار في تحملها، وقد انخفضت معدلات النمو وارتفعت مستويات
البطالة، خاصة بين النساء والشباب.
وكانت أهم أولويات برنامج الإصلاح الاقتصادي هي معالجة هذه
القضايا واستعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي وتجنب وقوع الأزمة، فعلى سبيل المثال،
أدى التحول إلى نظام سعر الصرف المرن إلى استعادة التوازن في سوق الصرف الأجنبي، والقضاء
على مشكلة نقص النقد الأجنبي، وبالإضافة إلى ذلك، أطلقت الحكومة المصرية خطة طموحة
ثلاثية الأعوام لكبح عجز الميزانية الذي بلغ أعلى المعدلات على مستوى المنطقة حيث تجاوز
10% من إجمالي الناتج المحلي، كذلك قامت الحكومة بتضييق السياسة النقدية عن طريق رفع
أسعار الفائدة، وقد كانت هذه الإجراءات بالغة الأهمية لتخفيض الدين العام كنسبة من
إجمالي الناتج المحلي والحد من التضخم.
10 أهداف وراء قرار تحرير سعر
الصرف وتعويم الجنيه المصري
كانت مصر
تهدف إلى تحقيق 10 أهداف من خلال قرار تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه المصري في
نوفمبر 2016:
1)
خفض عجز الموازنة والدين العام، حيث سجلت نسبة العجز في الحساب
الختامي لموازنة 2015-2016 نحو 12.2%، مقارنة مع 11.5% في السنة المالية السابقة، كما
تستهدف أيضاً خفض الدين العام الذي ارتفع بنسب كبيرة خلال فترات ما قبل التعويم.
2)
استكمال إصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي، وتنفيذ
أحد أهم اشتراطات صندوق النقد الدولي، حتى يتسنى للحكومة المصرية الحصول على ثقة الصندوق
وموافقته على القرض المطلوب بقيمة 12 مليار دولار.
3)
خفض الواردات ووقف الاستيراد العشوائي، حيث تشير الأرقام
والبيانات المتاحة قبل التعويم إلى أن فاتورة الاستيراد بمصر تراوحت ما بين 70 و80
مليار دولار سنوياً، ما يضغط على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
4)
زيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، خاصة أنه
لا يمكن عودة الاستثمارات الأجنبية في ظل وجود سعرين للدولار في السوق، ووصول الفجوة
بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء إلى أكثر من 100%.
5)
تحقيق التوازن المطلوب بين
الإجراءات الترشيدية والاحتواء الكامل لآثارها على محدودي الدخل، من خلال زيادة
حصيلتها الدولارية، وتمكنها من توفير الدعم لمحدودي الدخل فقط، وربما يتبع إجراء
تحرير سعر الصرف إجراء آخر يتمثل في التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي
لمحدودي الدخل.
6)
تمكين البنك المركزي المصري من الالتزام
بتوفير الدولار لسد الفجوات الاستيرادية في السلع الأساسية والاستراتيجية.
7)
القضاء على ظاهرة الدولرة والمضاربة
على الدولار في السوق السوداء التي انتشرت قبل قرار التعويم، والتي تواجد بها أكثر
من 40 مليار دولار وفقاً لتقديرات غير رسمية، بينما لم تمتلك خزانة البنك المركزي
المصري سوى 19.5 مليار دولار فقط حينئذ.
8)
كشف حجم العرض والطلب الحقيقيين على
الدولار، بعكس الصورة الوهمية التي يحاول تجار العملة والمضاربون على الدولار
تصديرها للتمكن من رفع سعر صرف الدولار الذي لامس مستويات 18.5 جنيه، بسبب
المضاربات العنيفة، وليس بسبب الطلب الحقيقي على الدولار.
9)
استهداف معدلات التضخم التي لامست
مستويات صعبة، وكان من المتوقع ومع عدم تدخل البنك المركزي المصري، أن تسجل
مستويات جديدة لتصبح حقيقة يصعب التعامل معها على المدى القصير، ولكن كان من
المتوقع وعقب استيعاب السوق لصدمة تحرير العملة أن تبدأ الأسعار في العودة إلى
معدلاتها الطبيعية، بما ينعكس إيجاباً على معدلات التضخم التي سوف تهبط على المدى
المتوسط والبعيد.
10) تحريك المياه بالبورصة المصرية التي
شهدت خروج جزء كبير من السيولة قبل تحرير سعر الصرف للمضاربة على الدولار، ما
انعكس بشكل سلبي على أحجام وقيم التداول وهروب المستثمرين العرب والأجانب من السوق
المصرية، خاصة أنها شهدت حالة من عدم الاستقرار والخسائر الحادة طيلة الفترات
الماضية.
أهم إنجازات برنامج الإصلاح الاقتصادي
بعد تطبيق
برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ التعويم أحرز البرنامج هدفه الرئيسي المتمثل
في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، وهو أحد متطلبات جذب الاستثمارات وزيادة
النمو وخلق فرص العمل، فقد انخفضت مستويات عجز الحساب الجاري وارتفعت احتياطيات
النقد الأجنبي إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وقد تعافى النمو من حوالي 4% إلى
5.5%، وتستهدف الحكومة أن يبلغ معدل النمو ٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام
٢٠٢٠/ ٢٠٢١، بينما شهدت معدلات البطالة انخفاضاً ملحوظاً خلال الأعوام السابقة؛
حيث انخفضت بعد بلوغ ذروتها في عام 2013 من 13.2% إلى أقل من 8% بحلول الوقت
الحالي لتصل إلى أدنى مستوياتها على مدار العقد الماضي، كذلك بدأ مستوى الدين
العام في التراجع وانخفضت معدلات التضخم على نحو مطرد ليصل معدل التضخم العام إلى
7.2% بنهاية يناير 2020،
كما انخفض عجز الموازنة بشكل كبير
ومن المستهدف تحقيق فائض مالي أولي بنحو 2%، كما تستهدف الحكومة
المصرية خفض العجز المالي الكلي إلى 7.2% من الناتج المحلي
الإجمالي بنهاية العام المالي 2019/2020 ، وخفض الدين الحكومي إلى 83% من الناتج المحلي
الإجمالي، وبذلك يصبح في الإمكان تهيئة المسار لتنفيذ الإصلاحات
الأوسع نطاقاً، مثل تحسين مناخ الأعمال، الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستثمارات
بقيادة القطاع الخاص وخلق فرص العمل.
تطور أسعار الفائدة خلال برنامج
الإصلاح ومنذ التعويم
تهدف السياسة النقدية للبنك المركزي بشكل رئيسي إلى استقرار
الأسعار، وذلك عن طريق تحقيق معدلات منخفضة للتضخم تساهم فى بناء الثقة وبالتالى خلق
البيئة المناسبة لتحفيز الإستثمار والنمو الإقتصادى. لذا يطمح البنك المركزي المصري
فى تطبيق إستهداف التضخم كإطار رسمي للسياسة النقدية عن طريق التحكم في معدلات الفائدة.
وسجل معدل
التضخم العام 15.47% في أغسطس 2016مسجلاً ارتفاعاً قدره 1.47% على أساس شهري،
مقابل 14% في يوليو 2016، وباجتماع المركزي في سبتمبر 2016؛ تقرر الإبقاء على سعري
عائد الإيداع والإقراض دون تغيير عند مستوى 11.75% و 12.75% على التوالي.
وفي الثالث من نوفمبر عام 2016، أعلن البنك المركزي المصري
تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية ليتم التسعير وفقاً لآليات العرض والطلب
بهدف القضاء على السوق السوداء التي انتعشت في البلاد نتيجة الضغوط على الدولار.
وقام البنك
المركزي برفع أسعار الفائدة بعد قرار التعويم بواقع 700 نقطة (7%) في الفترة من نوفمبر
2016 إلى يوليو 2017 لتصل إلى 18.75% و19.75% للإيداع والإقراض على الترتيب، وذلك من أجل دعم الجنيه والحد من الدولرة
ومواجهة التضخم المتوقع بعد خسارة الجنيه لنحو نصف قيمته.
وفي فبراير
2018 قرر المركزي تخفيض معدلات العائد على الإيداع والإقراض بنسبة 1% لتصل إلى 17.75%
و 18.75% على الترتيب، نتيجة للتراجع الملحوظ في معدلات التضخم. حيث ساهم تأثير فترة الأساس منذ نوفمبر ۲۰۱۷ في تراجع المعدل السنوي للتضخم العام للشهر السادس على التوالي
ليسجل 17.1% في يناير ۲۰۱۸، بعد أن بلغ
ذروته عند 35.3% في يوليو ۲۰۱۷ على الترتيب،
وبالتالي، سجل المعدل السنوي التضخم العام أدنى مستوى له منذ أكتوبر وسبتمبر 2016.
وعلى الشهر
الثاني على التوالي قرر البنك المركزي تخفيض معدلات الفائدة مرة أخرى بواقع 100
نقطة أساس لتصل إلى 16.75% و 17.75% في مارس 2018.
وتوالت
الانخفاضات في معدلات الفائدة وصولاً إلى نهاية 2019 ليقرر المركزي تخفيض الفائدة
ثلاث مرات خلال ثلاثة أشهر على التوالي بواقع 300 نقطة لتسجل 12.25% للإيداع و
13.25% للإقراض بأخر اجتماعاته في عام 2019.
ومنذ ذلك
الحين ليكون قراره بالتثبيت خلال أول اجتماعاته بالعام الجاري وحتى الآن.
وقد سجل معدل التضخم أقل المعدلات المحققة منذ تحرير سعر الصرف وتعويم جنيه المصري؛ ليسجل 7.2% بنهاية يناير 2020. كما استقر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عند 6.5% خلال النصف الثاني من عام ۲۰۱۹. كما استمرت السياسة النقدية في دعم الطلب المحلي الخاص، والذي أصبح الدافع الرئيسى للنمو، متخطياً مساهمة صافي الصادرات في إجمالي نمو الناتج المحلى خلال التسعة أشهر الأولى من عام ۲۰۱۹ ، وقد جاء ذلك مدفوعاً بتسارع معدل نمو الاستثمار الخاص.