تحرير سعر الصرف يعيد ثقة الأجانب في الاقتصاد المصري
تعد سياسة سعر الصرف من أهم أدوات السياسة النقدية الفعالة لحماية الاقتصاد الوطني من الصدمات الخارجية التي يمكن أن يتعرض لها، وفي إطار سعيها لتحقيق التوازن الخارجي لجأت مصر إلى سياسة تحرير سعر الصرف وتركه لحركة العرض والطلب، كأداة لتصحيح الخلل في الميزان التجاري للدولة، وكأحد برامج التكيف والإصلاح الهيكلي الأكثر فعالية في معالجة الإختلالات الخارجية.
وكان وضع الاستثمار الأجنبي في مصر قبل قرار تحرير سعر الصرف متدني للغاية، لذا جاء تشجيع الاستثمار الأجنبي كأحد أهم أهداف تحرير سعر الصرف في الثالث من نوفمبر عام 2016، خاصة أنه لا يمكن عودة الاستثمارات الأجنبية في ظل وجود سعرين للدولار في السوق، ووصول الفجوة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء إلى أكثر من 100% خلال الفترة ما قبل تحرير سعر الصرف.
ولعب قرار المركزي بتحرير سعر الصرف دورًا بارزًا لتذليل العقوبات أمام الأجانب، لجذب استثماراتهم سواء المباشرة أو غير المباشرة لمصر مرة أخرى بعد هروبها في الفترة التي سبقت قرار التعويم لعدة عوامل، كان أهمها الاضطراب السياسي والأمني الذي شهدته مصر في تلك الفترة، فضلًا عن ازدهار السوق السوداء، تلك الظاهرة التي نجح البنك المركزي في القضاء عليها تمامًا، والتي لطالما كانت سببًا رئيسيًا لتوقف الاستثمارات الأجنبية بمصر بل وهروبها لأسواق أخرى.
وساعدت قرارات المركزي في جذب العديد من المستثمرين خاصة بعد قرار التعويم ودوره الرئيسي في توفير العملة الصعبة والدولار بشكل كبير للغاية في البنوك العاملة بالسوق المصري، الأمر الذي منح المستثمرين الثقة من جديد في السوق المصري، وأثر إيجابيًا على خططهم الاستثمارية، ما دفعهم إلى ضخ استثمارات مباشرة ضخمة في مختلف المجالات على رأسها: النفط، الغاز، الصناعة، الصحة، الكهرباء، الاتصالات، العقارات، وكذلك الاستثمارات الغير مباشرة في سندات وأذون الخزانة.
الاستثمارات الأجنبية المباشرة ترتفع لتسجل 126.6 مليار دولار في 2019
واستمر تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر على مصر كوجهة أولى للاستثمار في إفريقيا عقب تحرير سعر الصرف خلال آخر سنوات، إذ كشف تقرير الاستثمار العالمي 2020، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، ارتفاع أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر لتسجل 126.6 مليار دولار عام 2019، مقارنة بـ 73.1 مليار دولار عام 2010.
كما زاد حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بنسبة 11%، ليصل إلى 9 مليارات دولار عام 2019، بما يمثل 20% من إجمالي حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في القارة الإفريقية (45.4 مليار دولار)، وذلك مقارنة بـ 8.1 مليار دولار عام 2018، و7.4 مليار دولار عام 2017، و8.1 مليار دولار عام 2016، و6.9 مليار دولار عام 2015.
وتصدرت مصر القارة الإفريقية من حيث تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ احتلت المرتبة الأولى خلال آخر 3 أعوام، وتمثلت أهم الدول التي ضخت استثمارًا أجنبيًا مباشرًا في مصر خلال تلك الفترة في المملكة المتحدة بإجمالي استثمارات بـ 16.7 مليار دولار، وبلجيكا 6.8 مليار دولار، والولايات المتحدة 5.9 مليار دولار، والإمارات 3.3 مليار دولار.
تحرير سعر الصرف يفتح شهية الأجانب للاستثمارات غير المباشرة
بعد تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، فقد الجنيه نحو نصف قيمته وأصبح الدولار الذي يمتلكه المستثمر الأجنبي يمكنه من شراء عدد أكبر من أذون وسندات الخزانة بالجنيه قد يصل إلى الضعف، وهو ما فتح شهية المستثمرين الأجانب نحو الاستثمار في هذه الأدوات، الأمر الذي قفز بأسعار العائد على هذه الأدوات.
وشهدت إجمالي استثمارات الأجانب في أذون الخزانة العديد من التقلبات خلال آخر 4 سنوات وعقب قرار المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه، إذ تراجعت إلى 176.6 مليار جنيه في يونيو 2017 مقابل 532 مليار جنيه في يونيو 2016.
ثم عادت إجمالي أرصدة استثمارات الأجانب في أذون الخزانة لترتفع في يونيو 2018، إذ سجلت زيادة بقيمة 114.7 مليار جنيه وبنسبة نمو 64.9%، لتصل إلى 114.7 مليار جنيه في يونيو 2018.
وتراجعت إجمالي استثمارات الأجانب في أذون الخزانة بنسبة ضعيفة 5% لتصل إلى 276.6 مليار جنيه في يونيو 2019، وزادت نسبة التراجع لإجمالي استثمارات الأجانب في أذون الخزانة في يونيو 2020 لتصل إلى 122.4 مليار جنيه.
وانتعشت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة في الفترة الأخيرة، إذ شهدت زيادة بنحو 100 مليار جنيه لتصل إلى 211.5 مليار جنيه بنهاية أغسطس، مقابل 111.5 مليار جنيه بنهاية مايو الماضي، وعلى أساس شهري، قفزت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة بنسبة 23%، وبقيمة 39.5 مليار جنيه.
من جهته، قال الخبير المصرفي رمضان أنور، رئيس بنك الاتحاد الوطني سابقًا، إنه قبل تحرير سعر الصرف لم تكن العملات الأجنبية تتداول في البنوك أو السوق الرسمي بسعر السوق الحقيقي، فضلًا عن عدم توافرها بالشكل المطلوب للمتعاملين بها لاستيراد احتياجاتهم كافة من مستلزمات الإنتاج، ما نتج عنه طوابير انتظار طويلة للمستوردين لدى البنوك لحين توفير احتياجاتهم من العملات الأجنبية، الأمر الذي شجع تداول العملات في السوق السوداء، وأثر تأثيرًا سلبيًا على نمو الاقتصاد بالشكل المطلوب أو أي برنامج إصلاح اقتصادي تضعه الدولة للنهوض بالمجتمع.
وأشار إلى أن هذا سبب تأثيرًا سلبيًا على تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى مصرن نظرًا لأن أي مستثمر يدرك تحقيقه الخسائر بمجرد تحويله النقد الأجنبي إلى مصر وتحويله لدى البنوك بالسعر السائد وقتها، لافتًا إلى أن وجود سعرين متداولين في السوق المصري للعملات الأجنبية وعدم توافر النقد الأجنبي في هذا الوقت بالشكل الكافي، أثر على تقييم الاقتصاد من قبل الهيئات الدولية المعنية، وقلص فرص الاقتراض من الخارج لتمويل برامج التنمية.
وأوضح أنور أنه بحلول عام 2016 بدأت مصر برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي وكانت البداية بتحرير سعر الصرف، لتعبر العملات الأجنبية عن سعرها الحقيقي لدى القنوات الشرعية، ما دعم برامج التنمية والإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي عمل دفع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى التزايد المستمر، فضلًا عن ذلك اتجهت الدولة لتحسين التشريعات المختلفة لخدمات المستثمرين، ما أدى إلى ارتفاع تدفق الاستثمارات الأجنبية على مدار السنوات السابقة، ولا يخفى على أحد الظروف التي واجهتها دول العالم في أزمة كورونا، إلا أنه نجاح برامج الإصلاح الاقتصادي مكن مصر من عبور المرحلة الأولى من هذه الازمة بنجاح منقطع النظير بشهادة الجهات الدولية.
وقال علاء الشاذلي، عضو مجلس إدارة البنك المركزي السابق، إن تحرير سعر الصرف أدى إلى استقرار سوق الصرف الأجنبي وتحسين نتائج ميزان المدفوعات.
وأضاف أن هذه التطورات الإيجابية تشجع على جذب الاستثمار الأجنبي وزيادة تحويلات العاملين بالخارج، إضافة إلى ارتفاع الاحتياطي الأجنبي.